للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد. قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتابا بخط أبي، فيه أنه لما كفن رسول الله ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر ، ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت. فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد. فقال أبو بكر وعمر - وهما في الصف الأول حيال رسول الله اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لامته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، وأجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، لا نبتغي بالايمان به بديلا، ولا نشتري به ثمنا أبدا. فيقول الناس: آمين آمين ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان (١). وقد قيل إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه كما سيأتي بيان ذلك قريبا. والله أعلم.

وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله. فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه. وليس لاحد أن يقول لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه بعد تمام بيعة أبي بكر وأرضاه، وقد قال بعض العلماء إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونساءهم وصبيانهم حتى العبيد والإماء. وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل. قال وأيضا: فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة. فالله أعلم.

وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة. فقيل نعم! لان جسده طري في قبره لان الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم، وقال آخرون: لا يفعل لان السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعا لبادروا إليه ولثابروا عليه. والله أعلم.

[صفة دفنه وأين دفن]

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج أخبرني أبي - وهو عبد العزيز بن جريج:


(١) رواه الواقدي في آخر مغازيه ٣/ ١١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>