الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الزُّبَيْرِ بَعْدِ عَلِيٍّ.
فَاللَّهُ أعلم.
وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ مُبَايَعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِمَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الْوَفَاةِ.
وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُفَارِقِ الصِّدِّيقَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَخَرَجَ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ لَمَّا خَرَجَ الصِّدِّيقُ شَاهِرًا سَيْفَهُ يُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا سَنُبِيِّنُهُ قَرِيبًا، وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَتْبٌ عَلَى الصِّدِّيقِ بِسَبَبِ مَا كَانَتْ مُتَوَهِّمَةً مِنْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَلِمَ تَعْلَمْ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أنه قال: " لا نورث من تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " فَحَجَبَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ وَعَمَّهُ عَنِ الْمِيرَاثِ بِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَنْظُرَ علي فِي صَدَقَةِ الْأَرْضِ الَّتِي بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ فَلَمْ يُجِبْهَا إِلَى ذَلِكَ.
لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
هُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ التَّابِعُ لِلْحَقِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَصَلَ لَهَا - وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ الْعِصْمَةِ - عَتْبٌ وَتَغَضُّبٌ وَلَمْ تكلِّم الصديق حتى ماتت، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشئ، فَلَمَّا مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهَا صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلِيٌّ أَنْ يُجَدِّدَ الْبَيْعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فيما بعد إن شاء الله تعالى معما تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ قَبْلَ دَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيَزِيدُ ذَلِكَ صِحَّةً قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ.
ثُمَّ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ: مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا ليلة، ولا سألتها فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا لِأَنَّا أُخِّرْنَا عَنِ الْمَشُورَةِ وَإِنَّا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ وَإِنَّا لَنَعْرِفُ شَرَفَهُ وَخَبَرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ بالنَّاس وَهُوَ حَيٌّ.
إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة
فَصْلٌ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ عَلَى تَقْدِيمِ أبي بكر، وظهر برهان قوله عليه السلام: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ".
وَظَهَرَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاس، لَا لِأَبِي بَكْرٍ كَمَا قَدْ زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لَعَلِّي كما يقوله طائفة من الرَّافِضَةِ.
وَلَكِنْ أَشَارَ إِشَارَةً! قَوِيَّةً يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ إِلَى الصِّدِّيقِ كَمَا قَدَّمْنَا وسنذكره.
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حيث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا طُعِنَ قِيلَ لَهُ أَلَا تَسْتَخْلِفُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي.
يَعْنِي - أَبَا بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي - رسول