فجعل الرشيد يكرر قوله: إنما العاجز من لا يستبد، ويعجبه ذلك. فلما كان الصباح دخل عليه يحيى بن خالد فأنشده الرشيد هذين البيتين وهو يستحسنهما، ففهم ذلك يحيى بن خالد وخاف وسأل عن من أنشد ذلك للرشيد؟ فقيل له أبو العود. فبعث إليه وأعطاه الثلاثين ألفا وأعطاه من عنده عشرين ألفا، وكذلك ولداه الفضل وجعفر، فما كان عن قريب حتى أخذ الرشيد البرامكة، وكان من أمرهم ما كان.
فلما سمع ذلك الواثق أعجبه وجعل يكرر قول الشاعر: إنما العاجز من لا يستبد. ثم بطش بالكتاب وهم الدواوين على إثر ذلك، وأخذ منهم أموالا عظيمة جدا. وفيها حج بالناس أمير السنة الماضية وهو أمير الحجيج في السنتين الماضيتين.
وفيها توفي خلف بن هشام البزار أحد مشاهير القراء، وعبد الله بن محمد المسندي (١)، ونعيم بن حماد الخزاعي أحد أئمة السنة بعد أن كان من أكابر الجهمية، وله المصنفات في السنن وغيرها، وبشار بن عبد الله المنسوب إليه النسخة المكذوبة عنه أو منه، ولكنها عالية الاسناد إليه، ولكنها موضوعة.
[ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين]
في جمادى منها خرجت بن سليم حول المدينة النبوية فعاثوا في الأرض فسادا، وأخافوا السبيل، وقاتلهم أهل المدينة فهزموا أهلها واستحوذوا على ما بين المدينة ومكة من المناهل والقرى، فبعث إليهم الواثق بغا الكبير أبا موسى التركي في جيش فقاتلهم في شعبان فقتل منهم خمسين فارسا وأسر منهم وانهزم بقيتهم، فدعاهم إلى الأمان وأن يكونوا على حكم أمير المؤمنين، فاجتمع إليه منهم خلق كثير، فدخل بهم المدينة وسجن رؤوسهم في دار يزيد بن معاوية وخرج إلى الحج في هذه السنة، وشهد معه الموسم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب نائب العراق. وفيها حج بالناس محمد بن دواد المتقدم. وفيها توفي:
[عبد الله بن طاهر بن الحسين]
نائب خراسان وما والاها. وكان خراج ما تحت يده في كل سنة ثمانية وأربعين ألف ألف درهم، فولى الواثق مكانه ابنه طاهر. وتوفي قبله أشناس التركي بتسعة أيام، يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من هذه السنة. وقال ابن خلكان: توفي سنة ثمان وعشرين بمرو، وقيل بنيسابور، وكان كريما جوادا، وله شعر حسن، وقد ولي نيابة مصر بعد العشرين ومائتين.
(١) لقب بالمسندي لأنه تتبع المسند وجمعه، وهو أبو جعفر الجعفي البخاري، ثقة حافظ روى عنه البخاري وغيره.