للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِنَفْسِهِ وَتَسَمَّى بِالْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْبَيْعَةُ لِلْمَلِكِ الظَّاهِرِ خُطَبَ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّادِسَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَدَعَا الْخَطِيبُ أَوَّلًا لِلْمُجَاهِدِ ثُمَّ لِلظَّاهِرِ ثَانِيًا وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ بِاسْمِهِمَا مَعًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ الْمُجَاهِدُ هَذَا مِنَ الْبَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَدِ اتَّفَقَ فِي هَذَا الْعَامِ أُمُورٌ عَجِيبَةٌ، وَهِيَ أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الشام للسلطان الناصر ابن الْعَزِيزِ، ثُمَّ فِي النِّصْفِ مِنْ صِفْرٍ صَارَتْ لهولاكو مَلِكِ التَّتَارِ، ثُمَّ فِي آخِرِ رَمَضَانَ صَارَتْ لِلْمُظَفَّرِ قُطُزَ ثُمَّ فِي أَوَاخِرَ [ذِي] الْقَعْدَةِ صارت للظاهر بِيبَرْسُ، وَقَدْ شَرَكَهُ فِي دِمَشْقَ الْمَلِكُ الْمُجَاهِدُ سنجر، وكذلك كان القضاء في أولها بالشام لابن سني الدولة صدر الدين، ثم صار للكمال عمر التفليسي من جهة هولاكو ثم لابن الزَّكِيِّ ثُمَّ لِنَجْمِ الدِّينِ بْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ.

وَكَذَلِكَ كَانَ خَطِيبُ جَامِعِ دِمَشْقَ عِمَادُ الدِّينِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ مِنْ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ، فَعُزِلَ فِي شوال منها بالعماد الأسعردي، وكان صيناً قَارِئًا مُجِيدًا، ثُمَّ أُعِيدَ الْعِمَادُ الْحَرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا.

فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ الْأُمُورُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.

وفيها توفي من الأعيان: قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ (١) بْنِ يَحْيَى بن محمد بن علي يَحْيَى بْنِ صَدَقَةَ بْنِ الْخَيَّاطِ، قَاضِي الْقُضَاةِ صدر الدين أبو العباس بن سَنِيِّ الدَّوْلَةِ التَّغْلِبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَسَنِيُّ الدَّوْلَةِ الحسين (١) بن يحيى المذكور كان قاضياً لِبَعْضِ مُلُوكِ دِمَشْقَ فِي حُدُودِ الْخَمْسِمِائَةِ، وَلَهُ أَوْقَافٌ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ.

وَابْنُ الْخَيَّاطِ الشَّاعِرُ صَاحِبُ الديوان وهو أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بن صدقة التغلبي هو عم سني الدولة.

ولد سني الدولة سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ (٢) وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْخُشُوعِيَّ وَابْنَ طَبَرْزَدَ، وَالْكِنْدِيَّ وَغَيْرَهُمْ، وَحَدَّثَ وَدَرَّسَ فِي عِدَّةِ مدارس وأفتى، وكان

عارفاً بالمذاهب مشكور السيرة، ولكن أبو شامة ينال منه ويذمه فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ وَلِيَ الْحُكْمَ بِدِمَشْقَ اسْتِقْلَالًا سنة ثلاث وأربعين واستمر إلى مدة السنة وسافر حِينَ عُزِلَ بِالْكَمَالِ التَّفْلِيسِيِّ هُوَ وَالْقَاضِي مُحْيِي الدين ابن الزكي، وقد سافر هو وابن الزكي إلى هولاكو لما أخذ حلب فولى ابن الزكي القضاء، واختار ابن سني الدولة بعلبك فقدمها وَهُوَ مُتَمَرِّضٌ فَمَاتَ بِهَا وَدُفِنَ عِنْدَ الشَّيْخِ عبد الله اليونيني، وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ يُثْنِي عَلَيْهِ كَمَا كان الملك الأشرف يثني على والده شمس الدين.

ولما استقر الملك الظاهر بيبرس ولى القضاء ولده نجم الدين بن سني الدولة وهو الذي حدث زَمَنِ الْمِشْمِشِ بَطَالَةَ الدُّرُوسِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ بستان بأرض السهم، فكان يشق عليه مفارقة المشمش، والنزول إلى المدارس، فبطل الناس هذه الأيام واتبعوه في ذلك،


(١) في الوافي بالوفيات: ٨ / ٢٥٠: الحسن.
(٢) ولد سنة تسعين (الوافي) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>