للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: " سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من سواهم فيستبيح بيضتهم فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط بعضهم على بعض فمنعنيها " (١) ذكرنا ذلك عند تفسير قوله تعالى … (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض)[الانعام: ٦٥] قال رسول الله: هذا أهون.

[قصة التحكيم]

ثم تراوض الفريقان بعد مكاتبات ومراجعات يطول ذكرها على التحكيم، وهو أن يحكم كل واحد من الأميرين - علي ومعاوية - رجلا من جهته. ثم يتفق الحكمان على ما فيه مصلحة للمسلمين. فوكل معاوية عمرو بن العاص، وأراد علي أن يوكل عبد الله بن عباس - وليته فعل - ولكنه منعه القراء ممن ذكرنا وقالوا: لا نرضى إلا بأبي موسى الأشعري. وذكر الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج له أن أول من أشار بأبي موسى الأشعري الأشعث بن قيس، وتابعه أهل اليمن، ووصفوه أنه كان ينهي الناس عن الفتنة والقتال، وكان أبو موسى قد اعتزل في بعض أرض الحجاز. قال علي: فإني أجعل الأشتر حكما، فقالوا: وهل سعر الحرب وشعر الأرض إلا الأشتر؟ قال: فاصنعوا ما شئتم، فقال الأحنف لعلي: والله لقد رميت بحجر إنه لا يصلح هؤلاء القوم إلا رجل منهم، يدنو منهم حتى يصير في أكفهم، ويبتعد حتى يصير بمنزلة النجم، فإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا وثالثا، فإنه لن يعقد عقدة إلا أحلها، ولا يحل عقدة عقدتها إلا عقدت لك أخرى مثلها أو أحكم منها. قال: فأبوا إلا أبا موسى الأشعري فذهبت الرسل إلى أبي موسى الأشعري - وكان قد اعتزل - فلما قيل له إن الناس قد اصطلحوا قال: الحمد لله، قيل له: وقد جعلت حكما، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أخذوه حتى أحضروه إلى علي وكتبوا بينهم كتابا هذه صورته.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فقال عمرو بن العاص: اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم وليس بأميرنا، فقال الأحنف: لا تكتب إلا أمير المؤمنين، فقال علي: امح أمير المؤمنين واكتب هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب ثم استشهد علي بقصة الحديبية حين امتنع أهل مكة هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فامتنع المشركون من ذلك وقالوا: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فكتب الكاتب: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضي علي على أهل العراق ومن معهم من شيعتهم والمسلمين، وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين إنا ننزل عند حكم الله وكتابه ونحيي ما أحيى الله، ونميت ما أمات الله فما وجد الحكمان في كتاب الله - وهما أبو موسى


(١) صحيح مسلم - كتاب الفتن - (٥) باب ح ١٩ و ٢٠ ص ٤/ ٢٢١٥ - ٢٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>