خبر المرأة التي قلتها اليوم وسلبها، فأقم عليه الحد.
وكان ما شاهدتم.
وقال جعيف السمرقندي الحاجب: كُنْتُ مَعَ مَوْلَايَ الْمُعْتَضِدِ فِي بَعْضِ مُتَصَيَّدَاتِهِ وقد انقطع عن العسكر وليس معه غيري، إذا خَرَجَ عَلَيْنَا أَسَدٌ فَقَصَدَ قَصْدَنَا فَقَالَ لِيَ المعتضد: يا جعيف أفيك خير اليوم؟ قلت: لا والله.
قَالَ: وَلَا أَنْ تُمْسِكَ فَرَسِي وَأَنْزِلُ أَنَا؟ فقلت: بلى.
قال: فنزل عن فرسه
وَغَرَزَ أَطْرَافَ ثِيَابِهِ فِي مِنْطَقَتِهِ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَرَمَى بِقِرَابِهِ إِلَيَّ ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى الْأَسَدِ فوثب الأسد عليه فضربه بِالسَّيْفِ فَأَطَارَ يَدَهُ فَاشْتَغَلَ الْأَسَدُ بِيَدِهِ فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً عَلَى هَامَتِهِ فَفَلَقَهَا، فَخَرَّ الْأَسَدُ صَرِيعًا فَدَنَا مِنْهُ فَمَسَحَ سَيْفَهُ فِي صُوفِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيَّ فَأَغْمَدَ سَيْفَهُ فِي قِرَابِهِ، ثُمَّ ركب فرسه فذهبنا إِلَى الْعَسْكَرِ.
قَالَ وَصَحِبْتُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فما سَمِعْتُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ، فَمَا أَدْرِي مِنْ أي شئ أَعْجَبُ؟ مِنْ شَجَاعَتِهِ أَمْ مِنْ عَدَمِ احْتِفَالِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ؟ أَمْ مِنْ عَدَمِ عَتْبِهِ عَلَيَّ حَيْثُ ضَنِنْتُ بِنَفْسِي عَنْهُ، وَاللَّهِ مَا عَاتَبَنِي فِي ذَلِكَ قَطُّ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ النُّورِيِّ أَنَّهُ اجْتَازَ بِزَوْرَقٍ فِيهِ خَمْرٌ مَعَ مَلَّاحٍ، فَقَالَ: ما هذا؟ ولمن هذا؟ فقال له: هذا خَمْرٌ لِلْمُعْتَضِدِ.
فَصَعِدَ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَيْهَا فَجَعَلَ يَضْرِبُ الدِّنَانَ بِعَمُودٍ فِي يَدِهِ حَتَّى كَسَرَهَا كُلَّهَا إِلَّا دَنًّا وَاحِدًا تَرَكَهُ، وَاسْتَغَاثَ الْمَلَّاحُ فَجَاءَتِ الشُّرْطَةُ فَأَخَذُوا أَبَا الْحُسَيْنِ فَأَوْقَفُوهُ بَيْنَ يدي المعتضد فقال له: ما أنت؟ فقال أنا المحتسب.
فَقَالَ: وَمَنْ وَلَّاكَ الْحِسْبَةَ؟ فَقَالَ: الَّذِي وَلَّاكَ الْخِلَافَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهَا فَقَالَ: مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: شَفَقَةً عَلَيْكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْكَ.
فأطرق رأسه ثم رفعه فقال: ولاي شئ تركت منها دناً واحداً لم تكسره؟ فقال: لأني إنما أقدمت عليها فكسرتها إجلالا لله تعالى، فلم أبال أحد حتى انتهيت إلى هذا الدن دخل نفسي إعجاب من قبيل أَنِّي قَدْ أَقْدَمْتُ عَلَى مِثْلِكَ فَتَرَكْتُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَضِدُ: اذْهَبْ فَقَدْ أَطْلَقْتُ يَدَكَ فَغَيِّرْ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُغَيِّرَهُ مِنَ الْمُنْكَرِ.
فَقَالَ له النوري: الآن انتقض عَزْمِي عَنِ التَّغْيِيرِ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي كُنْتُ أُغَيِّرُ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَا الْآنَ أُغَيِّرُ عَنْ شُرْطِيٍّ.
فَقَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ.
فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ سَالِمًا: فَأَمَرَ بِهِ فأُخرج فَصَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَقَامَ بِهَا مُخْتَفِيًا خَشْيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي حَاجَةٍ عِنْدَ الْمُعْتَضِدِ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُعْتَضِدُ رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بن عبد الواحد الهاشمي عن الشيخ مِنَ التُّجَّارِ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى بَعْضِ الْأُمَرَاءِ مَالٌ كَثِيرٌ فَمَاطَلَنِي وَمَنَعَنِي حَقِّي، وَجَعَلَ كُلَّمَا جِئْتُ أُطَالِبُهُ حَجَبَنِي عَنْهُ وَيَأْمُرُ غِلْمَانَهُ يُؤْذُونَنِي، فَاشْتَكَيْتُ عَلَيْهِ إِلَى الْوَزِيرِ فَلَمْ يُفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِلَى أَوْلِيَاءِ الْأَمْرِ مِنَ الدَّوْلَةِ فَلَمْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْعًا وَجُحُودًا، فَأَيِسْتُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ وَدَخَلَنِي هَمٌّ مِنْ جِهَتِهِ، فَبَيْنَمَا أَنَا
كَذَلِكَ وَأَنَا حَائِرٌ إِلَى مَنْ أَشْتَكِي، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: أَلَا تَأْتِي فَلَانًا الْخَيَّاطَ - إِمَامَ مَسْجِدٍ هُنَاكَ - فَقُلْتُ وَمَا عَسَى أَنْ يَصْنَعَ خَيَّاطٌ مَعَ هَذَا الظَّالِمِ.
وَأَعْيَانُ الدَّوْلَةِ لَمْ يَقْطَعُوا فِيهِ؟ فَقَالَ لِي: هُوَ أَقْطَعُ وَأَخْوَفُ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ مَنِ اشْتَكَيْتَ إِلَيْهِ، فَاذْهَبْ إِلَيْهِ لَعَلَّكَ أَنْ تَجِدَ عِنْدَهُ فَرَجًا.
قَالَ فَقَصَدْتُهُ غَيْرَ مُحْتَفِلٍ فِي أَمْرِهِ،