للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أرسل ابن بويه إلى الخليفة بالطاعة والمعونة، وإن أمكن يقبل العتبة الشريفة ويحضر بين يدي الخليفة إن رسم، ويذهب إلى شيراز فيكون مع ابن ياقوت. ثم اتفق الحال بعد ذلك أن صار إلى شيراز وأخذها من نائبها ابن ياقوت بعد قتال عظيم، ظفر فيه ابن بويه بابن ياقوت وأصحابه، فقتل منهم خلقا وأسر جماعة، فلما تمكن أطلقهم وأحسن إليهم وخلع عليهم، وعدل في الناس. وكانت معه أموال كثيرة قد استفادها من أصبهان والكرج (١) وهمذان وغيرها. وكان كريما جوادا معطيا للجيوش الذين قد التفوا عليه، ثم إنه أملق في بعض الأحيان وهو بشيراز، وطالبه الجند بأرزاقهم وخاف أن ينحل نظام أمره وملكه، فاستلقى على قفاه يوما مفكرا في أمره، وإذا حية قد خرجت من شق في سقف المكان الذي هو فيه ودخلت في آخر، فأمر بنزع تلك السقوف فوجد هنالك مكانا فيه شئ كثير من الذهب، نحو من خمسمائة ألف دينار. فأنفق في جيشه ما أراد، وبقي عنده شئ كثير. وركب ذات يوم يتفرج في جوانب البلد ونظر إلى ما بنته الأوائل، ويتعظ بمن كان فيه قبله، فانخسفت الأرض من تحت قوائم فرسه فأمر فحفر هنالك فوجد من الأموال شيئا كثيرا أيضا. واستعمل عند رجل خياط قماشا ليلبسه فاستبطأ فأمر بإحضاره، فلما وقف بين يديه تهدده - وكان الخياط أصم لا يسمع جيدا - فقال: والله أيها الملك ما لابن ياقوت عندي سوى اثنا عشر صندوقا لا أدرى ما فيها. فأمر بإحضارها فإذا فيها أموال عظيمة تقارب ثلاثمائة ألف دينار، واطلع على ودائع كانت ليعقوب بن الليث، فيها من الأموال ما لا يحد ولا يوصف كثرة، فقوي أمره وعظم سلطانه جدا. وهذا كله من الأمور المقدرة لما يريد الله بهم من السعادة الدنيوية، بعد الجوع والقلة (وربك يخلق ما يشاء ويختار) [القصص: ٦٨] وكتب إلى الراضي ووزيره ابن مقلة أن يقطع على ما قبله من البلاد على ألف ألف في كل سنة، فأجابه الراضي إلى ذلك، وبعث إليه بالخلع واللواء وأبهة الملك. وفيها قتل القاهر أميرين كبيرين، وهما إسحاق بن إسماعيل النوبختي، وهو الذي كان قد أشار على الأمراء بخلافة القاهر. وأبا السرايا بن حمدان أصغر ولد أبيه، وكان في نفس القاهر منهما بسبب إنهما زايداه من قبل أن يلي الخلافة في جاريتين مغنيتين. فاستدعاهما إلى المسامرة فتطيبا وحضرا، فأمر بإلقائهما في جب هنا لك فتضرعا إليه فلم يرحمهما، بل ألقيا فيها وطم عليهما.

[ذكر خلع القاهر وسمل عينيه وعذابه]

وكان سبب ذلك أن الوزير علي بن مقلة كان قد هرب حين قبض على مؤنس كما تقدم، فاختفى في داره، وكان يراسل الجند ويكاتبهم ويغريهم بالقاهر، ويخوفهم سطوته وإقدامه، وسرعة بطشه، ويخبرهم بأن القاهر قد أعد لأكابر الأمراء أماكن في دار الخلافة يسجنهم فيها، ومهالك يلقيهم فيها، كما فعل بفلان وفلان فهيجهم ذلك على القبض على القاهر، فاجتمعوا وأجمعوا رأيهم على


(١) من تجارب الأمم ١/ ٢٧٧ والكامل ٨/ ٢٦٧. ومعجم البلدان ٤/ ٤٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>