للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنِكَاحُهَا لَا يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بل يبقى بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَبَّصَتْ وَانْتَظَرَتْ إِسْلَامَ زَوْجِهَا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ قُوَّةٌ وَلَهُ حَظٌّ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ والله أَعْلَمُ.

وَيُسْتَشْهَدُ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ (نِكَاحُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ

الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتُهُنَّ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثَنَا هِشَامٌ عَنِ ابن جريح عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، كانوا مشركي أهل الحرب يُقَاتِلُونَهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ ولا يقاتلونه.

فَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنَّ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّت إِلَيْهِ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ هَذَا لَفَظُهُ بِحُرُوفِهِ، فَقَوْلُهُ فَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ لَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّت إِلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَإِنْ هَاجَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ من العلماء.

والله أعلم.

ما قيل من الأشعار في بَدْرٍ الْعُظْمَى فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنْكَرَهَا ابْنُ هِشَامٍ: أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مَنْ عَجَبِ الدَّهرِ * وَلِلْحَيْنِ أَسْبَابٌ مُبَيَّنَةُ الْأَمْرِ وَمَا ذاك إلا أن قوما أفادهم * فخافوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بجمعهم * وكانوا رُهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ (١) وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرِ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا * فَسَارُوا إِلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مثنويةٌ * لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حدٍّها * مُشَهَّرَةِ الْأَلْوَانِ بَيِّنَةِ الْأُثْرِ وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيِّ ثَاوِيًا * وَشَيْبَةَ فِي قَتْلَى تَجَرْجَمُ فِي الْجَفْرِ (٢) وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ * فَشُقَّتْ جُيُوبَ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ * كِرَامٍ تفر عن الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ * وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرِ

لِوَاءَ ضَلَالٍ قَادَ إِبْلِيسُ أَهْلَهُ * فَخَاسَ بِهِمْ، إِنَّ الخبيث إلى غدر


(١) الركية: البئر غير المطوية.
(٢) تجرجم: تسقط، الجفر: البئر المتسعة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>