للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقصد للختمات لصيت صوته، توفي يوم الجمعة وهو كهل ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ.

الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الزَّاهِدُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بن أبي القاسم أحمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عِيسَى بن الحاج النجيبي الْقُرْطُبِيُّ ثُمَّ الْإِشْبِيلِيُّ، وُلِدَ بِإِشْبِيلِيَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُهُ بَيْتَ الْعِلْمِ وَالْخَطَابَةِ وَالْقَضَاءِ بِمَدِينَةِ قُرْطُبَةَ، فَلَمَّا أَخَذَهَا الْفِرَنْجُ انْتَقَلُوا إِلَى إِشْبِيلِيَةَ وَتَمَحَّقَتْ أَمْوَالُهُمْ وَكُتُبُهُمْ، وَصَادَرَ ابْنُ الْأَحْمَرِ جَدَّهُ الْقَاضِيَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، ومات أبوه وجده في سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَنَشَأَ يَتِيمًا ثُمَّ حج وأقبل إلى الشام فاستقام بِدِمَشْقَ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَتَبَ بِيَدِهِ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ مُجَلَّدٍ، إِعَانَةً لِوَلَدَيْهِ أَبِي عُمَرٍو وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الِاشْتِغَالِ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْمَدْرَسَةِ الصَّلَاحِيَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الْأَذَانِ ثَامِنَ عَشَرَ رَجَبٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَدُفِنَ عند القندلاوي، بِبَابِ الصَّغِيرِ بِدِمَشْقَ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خلقٌ كثيرٌ.

الشيخ كمال الدين ابن الشريشي احمد ابن الإمام العلامة جمال الدين بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محد بن سحمان البكري الوايلي الشَّرِيشِيُّ، كَانَ أَبُوهُ مَالِكِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاشْتَغَلَ هُوَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَبَرَعَ وَحَصَّلَ عُلُومًا كَثِيرَةً، وَكَانَ خَبِيرًا بِالْكِتَابَةِ مَعَ ذَلِكَ، وَسَمِعَ الحديث وكتب الطباق بنفسه، وأفتى ودرس وناظر وباشر بعدة مَدَارِسَ وَمَنَاصِبَ كِبَارٍ، أَوَّلَ مَا بَاشَرَ مَشْيَخَةَ دار الْحَدِيثِ بِتُرْبَةِ أَمِّ الصَّالِحِ بَعْدَ وَالِدِهِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عَنِ ابْنِ جَمَاعَةَ.

ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَوَلِيَ وَكَالَةَ بَيْتِ الْمَالِ وَقَضَاءَ الْعَسْكَرِ وَنَظَرَ الْجَامِعِ مَرَّاتٍ، وَدَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ وَدَرَّسَ بِالنَّاصِرِيَّةِ (١) عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ انْتَزَعَهَا مِنْ يَدِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ وَزَيْنُ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ، فَاسْتَعَادَهَا مِنْهُمَا وَبَاشَرَ مَشْيَخَةَ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ بَقَاسِيُونَ مُدَّةً، وَمَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ؟ ثَمَانِ سِنِينَ، وَكَانَ مشكور السيرة فيما يولي مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا، وَقَدْ عَزَمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْحَجِّ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ فَأَدْرَكَتْهُ مَنِيَّتُهُ بِالْحَسَا فِي سَلْخِ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ هُنَاكَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَتَوَلَّى بَعْدَهُ الْوَكَالَةَ جمال الدين بن القلانسي، ودرس بالناصرية كمال الدين بن الشيرازي، وبدار الحديث الاشر فية


(١) تطلق الناصرية بدمشق على دار الحديث الناصرية وهي المدرسة الناصرية البرانية، والمدرسة الناصرية الجوانية، وقد درس بها الشريشي، وأنشأ كلاهما الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّين يُوسُفُ بْنُ الْمَلِكِ العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين بن أيوب المتوفى سنة ٦٥٩ هـ (الدارس ١ / ١١٥، ٤٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>