للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجئنا يوما ننتظره على العادة فجلسنا عند بابه، وإذا أعرابي جالس كأن له حاجة، إذ وقع غراب على نخلة في الدار، فصرخ ثم طار. فقال الأعرابي: إن هذا الغراب يخبر أن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام. قال فزبرناه فقام وانصرف، ثم خرج الاذن من القاضي أن هلموا، فدخلنا فوجدناه متغير اللون مغتما، فقلنا له: ما الخبر؟ فقال: إني رأيت البارحة في المنام شخصا يقول:

منازل آل حماد بن زيد … على أهليك والنعم السلام

وقد ضاق لذلك صدري. قال: فدعونا له وانصرفنا. فلما كان اليوم السابع من ذلك اليوم دفن ليوم الخميس لسبع عشرة مضت من شعبان من هذه السنة، وله من العمر تسع وثلاثون سنة، وصلى عليه ابنه أبو نصر وولي بعده القضاء. قال الصولي: بلغ القاضي أبو الحسين من العلم مبلغا عظيما مع حداثة سنة، وحين توفي كان الخليفة الراضي يبكي عليه ويحرضنا ويقول: كنت أضيق بالشئ ذرعا فيوسعه علي، ثم يقول: والله لا بقيت بعده. فتوفي الراضي بعده في نصف ربيع الأول من هذه السنة الآتية رحمهما الله. وكان الراضي أيضا حدث السن.

[ابن شنبوذ المقري]

محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت أبو الحسن المقري المعروف بابن شنبوذ. روى عن أبي مسلم الكجي، وبشر بن موسى وخلق، واختار حروفا في القراءات أنكرت عليه، وصنف أبو بكر الأنباري كتابا في الرد عليه، وقد ذكرنا فيما تقدم كيف أنه عقد له مجلس في دار الوزير ابن مقلة، وأنه ضرب حتى رجع عن كثير منها، وكانت قراءات شاذة أنكرها عليه قراء أهل عصره. توفي في صفر منها، وقد دعا على الوزير ابن مقلة حين أمر بضربه فلم يفلح ابن مقلة بعدها، بل عوقب بأنواع من العقوبات، وقطعت يده ولسانه، وحبس حتى مات في هذه السنة التي مات فيها ابن شنبوذ. وهذه ترجمة ابن مقلة الوزير أحد الكتاب المشاهير وهو:

محمد بن علي بن الحسن (١) بن عبد الله

أبو علي المعروف بابن مقلة الوزير. وقد كان في أول عمره ضعيف الحال (٢)، قليل المال، ثم آل به الحال إلى أن ولي الوزارة لثلاثة من الخلفاء. المقتدر، والقاهر، والراضي. وعزل ثلاث


(١) في وفيات الأعيان ٥/ ١١٣: الحسين.
(٢) كان في ابتداء امره يخدم في بعض الدواوين في كل شهر بستة دنانير ثم تعلق بابن الفرات واختص به، فرفع من قدره وأعلى من شأنه، فمكث بين يديه يعرض عليه رقاعا في مهمات الناس وينتفع بسبب ذلك. وقال ابن خلكان: كان يتولى بعض أعمال فارس ويجبي خراجها .. (انظر وفيات الأعيان ٥/ ١١٣ الوافي ٤/ ١٠٩ والفخري ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>