فَقَالُوا فِي ذَلِكَ فَأَحْسَنُوا، وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ أَبُو تَمَامٍ الطَّائِيُّ وَقَدْ أَوْرَدَ قَصِيدَتَهُ بِتَمَامِهَا ابن جرير وهي قوله: بذّ الجلاد البذ فهو دفين * ما إن بها إِلَّا الْوُحُوشَ قَطِينُ لَمْ يُقْرَ هَذَا السَّيْفُ هَذَا الصَّبْرَ فِي * هَيْجَاءَ إِلَّا عَزَّ هَذَا الدين قد كان عذرة سوددٍ فَافْتَضَّهَا * بِالسَّيْفِ فَحْلُ الْمَشرِقِ الْأَفْشِينُ فَأَعَادَهَا تَعْوِي الثَّعَالِبُ وَسْطَهَا * وَلَقَدْ تُرَى بِالْأَمْسِ وَهِيَ عَرِينُ هَطَلَتْ عَلَيْهَا مِنْ جَمَاجِمِ أَهْلِهَا * دِيَمٌ أَمَارَتْهَا طلى وشؤون كانت من المهجات قبل مفازة * عسراً فأضحت وَهِيَ مِنْهُ مَعِينُ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ - أَوْقَعَ مَلِكُ الرُّومِ توفيل بن ميخائيل بِأَهْلِ
مَلَطْيَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا وَالَاهَا مَلْحَمَةً عظيمةً، قتل فيها خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَسَرَ مَا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَسَرَ ألف مرأة مِنَ الْمُسْلِمَاتِ.
ومثَّل بِمَنْ وَقَعَ فِي أَسْرِهِ من المسلمين فقطع آذانهم وأنوفهم وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ قَبَّحَهُ اللَّهُ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أن بابك لما أحيط به في مدينة البذ استوسقت الجيوش حوله وكتب إِلَى مَلِكِ الرُّوم يَقُولُ لَهُ: إِنَّ مِلْكَ الْعَرَبِ قَدْ جَهَّزَ إِلَيَّ جُمْهُورَ جَيْشِهِ وَلَمْ يُبْقِ فِي أَطْرَافِ بِلَادِهِ مَنْ يَحْفَظُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْغَنِيمَةَ فَانْهَضْ سَرِيعًا إِلَى مَا حَوْلَكَ مِنْ بِلَادِهِ فَخُذْهَا فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ أحداً يمانعك عنها.
فركب توفيل بمائة أَلْفٍ وَانْضَافَ إِلَيْهِ الْمُحَمِّرَةُ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا فِي الْجِبَالِ وَقَاتَلَهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن مصعب، فلم يقدر عليهم لأنهم تحصنوا بِتِلْكَ الْجِبَالِ فَلَمَّا قَدِمَ مَلِكُ الرُّومِ صَارُوا معه على المسلمين فوصلوا إلى ملطية فقتلوا من أهلها خلقاً كثيراً وأسروا نساءهم، فلما بلغ ذلك المعتصم انزعج لذلك جداً وصرخ في قصره بالنفير، ثم نهض من فوره وأمر بتعبئة الجيوش واستدعى القاضي والشهود فَأَشْهَدَهُمْ أَنَّ مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الضِّيَاعِ ثُلُثُهُ صَدَقَةٌ وَثُلُثُهُ لِوَلَدِهِ وَثُلُثُهُ لِمَوَالِيهِ.