للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: فَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهَا إِلَّا تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ اخْتِلَافًا فِي سَبَبِ مَوْتِهِ، فَقِيلَ إِنَّهُ سَاقَ خَلْفَ ظَبْيٍ وَالْكِلَابُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَخَلَ الظَّبْيُ إِلَى خَرِبَةٍ فَدَخَلَتِ الْكِلَابُ وراءه وجاء الفرس فحمل بمشواره فدخل الخربة فكسر ظهره،

وكانت وفاته بسبب ذلك.

وَقِيلَ إِنَّ بَعْضَ حَظَايَاهُ بَعَثَتْ إِلَى أُخْرَى لَبَنًا مَسْمُومًا فَمَرَّ الرَّسُولُ بِالْمَهْدِيِّ فَأَكَلَ مِنْهُ فَمَاتَ.

وَقِيلَ بَلْ بَعَثَتْ إِلَيْهَا بِصِينِيَّةٍ فِيهَا الكمثري وفي أعلاها واحدة كبيرة مسمومة وكان المهدي يعجبه الكمثري، فمرت به الجارية ومعها تلك الصينية فَأَخَذَ الَّتِي فِي أَعْلَاهَا فَأَكَلَهَا فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ، فَجَعَلَتِ الْحَظِيَّةُ تَنْدُبُهُ وَتَقُولُ: وَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَاهُ، أردت أن يكون لي وحدي فقتلته بيدي.

وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ - وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَانَتْ خلافته عشر سنين وشهراً وكسوراً، ورثاه الشعراء بمراثي كثيرة قد ذكرها ابن جرير وابن عساكر.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ (١) ، وَنَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ (٢) ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ القارئ (٣) .

خلافة موسى الهادي بن المهدي ت

وفي أَبُوهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَكَانَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِ أبيه، وكان أبوه قد عزم قبل موته على تقديم أخيه الرَّشِيدِ عَلَيْهِ فِي وِلَايَةِ الْعَهْدِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ ذلك حتى مات المهدي بماسبذان.

وَكَانَ الْهَادِي إِذْ ذَاكَ بِجُرْجَانَ، فهمَّ بَعْضُ الدَّوْلَةِ مِنْهُمُ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْقُوَّادِ عَلَى تَقْدِيمِ الرَّشِيدِ عَلَيْهِ وَالْمُبَايَعَةِ لَهُ، وَكَانَ الرشيد حاضراً ببغداد، عزموا على النفقة على الجند لذلك تنفيذاً لما رآه الْمَهْدِيُّ مِنْ ذَلِكَ.

فَأَسْرَعَ الْهَادِي السَّيْرَ مِنْ جُرْجَانَ إِلَى بَغْدَادَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَسَاقَ مِنْهَا إِلَيْهَا فِي عِشْرِينَ يَوْمًا، فَدَخَلَ بَغْدَادَ وَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، وَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنْهُمْ فَبَايَعُوهُ، وَتَغَيَّبَ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ فَتَطَلَّبَهُ الْهَادِي حَتَّى حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَفَا عَنْهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وأقره على حجو بيته، وَزَادَهُ الْوِزَارَةَ وَوِلَايَاتٍ أُخَرَ.

وَشَرَعَ الْهَادِي فِي تَطَلُّبِ الزَّنَادِقَةِ مِنَ الْآفَاقِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً كثيرة، واقتدى في ذلك


(١) من شذرات الذهب ١ / ٢٧٠ وفي الاصل زياد وهو تحريف.
وهو عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي كان عريف قومه بني سدوس.
قال في المغني: ثقة.
(٢) وهو نافع بن عمر الجمحي القرشي المكي، محدث مكة حافظ ثبت.
قال صاحب المغني: حجة وقال أحمد: ثقة ثبت.
وقال ابن سعد: ثقة فيه شئ.
(٣) وهو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء المدني أحد القراء السبعة أصله من أصبهان انتهت إليه رئاسة
القراءة في المدينة، أقرأ الناس دهراً طويلاً، وكان أسود اللون حالكا صبيح الوجه حسن الخلق.
قال فيه ابن مجاهد: كان عالما بوجوه القراءات متبعا لآثار الائمة الماضين ببلده.
وقال أحمد: كانت تؤخذ عنه القراءة وليس بشئ في الحديث.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>