للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعي الحكمة حتى نطق بها، وكان أبو جعفر إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء. وقال محمد بن سعد: قالوا كان الحسن جامعا للعلم والعمل، عالما رفيعا فقيها مأمونا عابدا زاهدا ناسكا كثير العلم والعمل فصيحا جميلا وسيما، وقدم مكة فأجلس على سرير، وجلس العلماء حوله، واجتمع الناس إليه فحدثهم. قال أهل التاريخ: مات الحسن عن ثمان وثمانين سنة، عام عشر ومائة في رجب منها، بينه وبين محمد بن سيرين مائة يوم.

وأما ابن سيرين

فهو محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرو الأنصاري مولى أنس بن مالك النضري، كان أبو محمد من سبي عين التمر (١)، أسره خالد بن الوليد في جملة السبي، فاشتراه أنس ثم كاتبه، ثم ولد له من الأولاد الأخيار جماعة، محمد هذا، وأنس بن سيرين، ومعبد ويحيى وحفصة وكريمة، وكلهم تابعيون ثقات أجلاء . قال البخاري: ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وقال هشام بن حسان: هو أصدق من أدركت من البشر، وقال محمد بن سعد: كان ثقة مأمونا عالما رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا. وكان به صمم، وقال مؤرق العجلي: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه، وأورع في فقهه منه، قال ابن عون: كان محمد بن سيرين أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزارا على نفسه، وأشدهم خوفا عليها. قال ابن عون: ما بكى في الدنيا مثل ثلاثة، محمد بن سيرين في العراق، والقاسم بن محمد في الحجاز، ورجاء بن حياة بالشام. وكانوا يأتون بالحديث على حروفه، وكان الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم - يعني محمد بن سيرين - وقال ابن شوذب: ما رأيت أحدا أجرأ على تعبير الرؤيا منه. وقال عثمان البتي: لم يكن بالبصرة أعلم بالقضاء منه. قالوا: ومات في تاسع شوال من هذه السنة بعد الحسن بمائة يوم.

فصل

كان اللائق، بالمؤلف أن يذكر تراجم هؤلاء العلماء الأخيار قبل تراجم الشعراء المتقدم ذكرهم فيبدأ بهم ثم يأتي بتراجم الشعراء، وأيضا فإنه أطال القول في تراجم الشعراء واختصر تراجم العلماء، ولو كان فيها حسن وحكم جمة ينتفع بها من وقف عليها، ولعلها أفيد من مدحهم والثناء عليهم، ولا سيما كلام الحسن وابن سيرين ووهب بن منبه - كما ذكره بعد وكما سيأتي ذكر ترجمته في هذه الزيادة - فإنه قد اختصرها جدا وإن المؤلف أقدر وأوسع علما، فما ينبغي أن يخل ببعض كلامهم وحكمهم، فإن النفوس مستشرفة إلى معرفة ذلك والنظر فيه، فإن أقوال السلف لها موقع من


(١) في صفة الصفوة ٣/ ٢٤١ وتذكره الحفاظ ١/ ٧٧: من أهل جرجرايا. (وهي بلد من أعمال النهروان بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي وقد خرج منها جماعة من العلماء والشعراء).
وقد جاء يعمل في عين التمر فسباه خالد بن الوليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>