للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما للمرء خير في حياة … إذا ما سد من سقط المتاعي (١)

ذكرها صاحب الحماسة واستحسنها ابن خلكان كثيرا.

وفيها توفي عبيد الله بن أبي بكرة وهو أمير الجيش الذي دخل بلاد الترك وقاتلوا رتبيل ملك الترك، وقد قتل من جيشه خلق كثير مع شريح بن هانئ كما تقدم ذلك، وقد دخل عبيد الله بن أبي بكرة على الحجاج مرة وفي يده خاتم فقال له الحجاج: وكم ختمت بخاتمك هذا؟ قال على أربعين ألف ألف دينار، قال ففيم أنفقتها؟ قال: في اصطناع المعروف، ورد الملهوف والمكافأة بالصناع وتزويج العقائل. وقيل إن عبيد الله عطش يوما فأخرجت له امرأة كوز ماء بارد فأعطاها ثلاثين ألفا، وقيل إنه أهدي إليه وصيف ووصيفة وهو جالس بين أصحابه فقال لبعض أصحابه خذهما لك، ثم فكر وقال: والله إن إيثار بعض الجلساء على بعض لشح قبيح ودناءة رديئة، ثم قال يا غلام ادفع إلى كل واحد من جلسائي وصيفا ووصيفة، فأحصى ذلك فكانوا ثمانين وصيفا ووصيفة توفي عبيد الله بن أبي بكرة ببست (٢) وقيل بذرخ والله أعلم وأحلم، والحمد لله رب العالمين.

ثم دخلت سنة ثمانين من الهجرة النبوية

ففيها كان السيل الجحاف (٣) بمكة لأنه جحف على كل شئ فذهب به، وحمل الحجاج من بطن مكة الجمال بما عليها، والرجال والنساء لا يستطيع أحد أن ينقذهم منه، وبلغ الماء إلى الحجون، وغرق خلق كثير، وقيل إنه ارتفع حتى كاد أن يغطي البيت والله أعلم.

وحكى ابن جرير عن الواقدي أنه قال: كان بالبصرة في هذه السنة الطاعون، والمشهور أنه كان في سنة تسع وستين كما تقدم. وفيها قطع المهلب بن أبي صفرة نهر بلخ، وأقام بكش سنتين صابرا مصابرا للأعداء من الأتراك، وجرت له معهم هناك فصول يطول ذكرها، وفد عليه في غضون هذه المدة كتاب ابن الأشعث بخلعه الحجاج، فبعثه المهلب برمته إلى الحجاج حتى قرأه ثم كان ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من حروب ابن الأشعث، وفي هذه السنة جهز الحجاج الجيوش من البصرة والكوفة وغيرهما لقتال رتبيل ملك الترك ليقضوا منه ما كان من قتل جيش عبيد الله بن أبي بكرة في السنة الماضية، فجهز أربعين ألفا من كل من المصرين عشرين ألفا، وأمر على الجميع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث مع أنه كان الحجاج يبغضه جدا، حتى قال ما رأيته قط إلا هممت


(١) انظر الأبيات في ابن خلكان ٤/ ٩٥ وشعر الخوارج مع تخريجها ص ١٢٢ - ١٢٣.
(٢) بست: بالضم: مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، وأظنها من أعمال كابل (معجم البلدان).
(٣) قال البلاذري: سيل الجحاف والجراف أيضا. والجحاف والجراف بمعنى واحد وهو الذي يجرف كل شئ ويذهب به، وأشار البلاذري إلى أن السيل كان يوم الاثنين وذلك يوم التروية والحجاج آمنون غارون وقد نزلوا في وادي مكة (انظر الأزرقي أخبار مكة ٢/ ١٦٨ شفاء الغرام ٢/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>