للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأهله منك يا بن آدم لله عزوجل.

وفي رواية أنه قال: إني لأصلي حتى ترم قدماي، فقال له: إنك إن تبتْ تائباً، وتصبح نادماً، خير لك من أن تبيت قائما وتسبح معجباً، إلى آخره.

وروى سفيان عن رجل من أهل صنعاء عن وهب فذكر الحديث كما تقدم.

وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى حدثنا الصلت بن عاصم المرادي، عن أبيه عن وهب قال: لما أهبط آدم من الجنة استوحش لفقد أصوات الملائكة، فهبط عليه جبريل فقال: يا آدم ألا أعلمك شيئا تنتفع به في الدنيا والآخرة؟ قال: بلى.

قال قل: اللهم تمم لي النعمة حتى تهنيني المعيشة، اللهم اختم لي بخير حتى لا تضرني ذنوبي، اللهم اكفني مؤنة الدنيا وكل هول في القيامة حتى تدخلني الجنة في عافية.

وقال عبد الرزاق: حدثني بكار بن عبد الله عن وهب قال: قرأت في بعض الكتب فوجدت الله تعالى يقول: يا بن آدم ما أنصفتني، تذكر بي وتنساني، وتدعو إلى وتفر مني، خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم قد نزل إليك من أجلك، يا بن آدم إن أحب ما تكون إلي وأقرب ما تكون مني إذا رضيت بما قسمت لك.

وأبغض ما تكون إلي، وأبعد ما تكون مني إذا سخطت بما قسمت لك.

يا بن آدم أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني بما يصلحك، إني عالم بخلقي، وأنا أعلم بحاجتك التي ترفعك من نفسك، إني إِنَّمَا أُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمَنِي، وَأُهِينَ مَنْ هَانَ عليه أمري، لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر العبد في حقي.

وقال وهب: قرأت نيفاً (١) وتسعين كتاباً من كتب الله تعالى فوجدت في جميعها: إن من وكل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر.

وقال: لا يسكن ابن آدم، إِنَّ اللَّهَ هُوَ قسم الأرزاق متفاضلة ومختلفة، فإن تقلل ابن آدم شيئاً من رزقه فليزدد إلى الله رغبة، ولا يقولن: لو اطلع الله على هذا من حالي، أو شعر به غيره؟ فكيف لا يطلع على شئ الذي خلقه وقدره؟ أو يعتبر ابن آدم في غير ذلك مما يتفاضل فيه الناس، كأن الله فاضل بينهم في الأجسام والأموال والألوان والعقول والأحلام، فلا يكبر على ابن آدم إن يفضل عليه في الرزق والمعيشة، ولا يكبر عليه أن يفضل عليه في الحلم والعلم والعقل والدين، أو لا يعلم ابن آدم أن الذي رزقه في ثلاثة أزمان من عمره لم يكن له في واحد منها كسب ولا حيلة، أنه سوف يرزقه في

الزمن الرابع.

أول زمان من أزمانه حين كان في بطن أمِّه، يخلق فيه ويرزق من غير مال كسبه، وهو في قرار مكين، لا يؤذيه فيه حر ولا برد، ولا شئ ولا هم ولا حزن، وليس له هناك يد تبطش، ولا رجل تسعى، ولا لسان ينطق.

فساق الله عزوجل إليه رزقه هناك على أتم الوجوه وأهناها وأمراها، ثم إن الله عزوجل أراد أن يحوله من تلك المنزلة إلى غيرها.

ويحدث له في الزمن الثاني رزقاً من أمه يكفيه ويغنيه، من غير حول منه ولا قوة، ولا بطش ولا سعي، بل تفضلاً من الله وجوداً، ورزقاً


(١) في طبقات ابن سعد ٥ / ٥٤٣: اثنين وتسعين.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>