للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى أن ينصت لذلك حتى يفرغ من الوحي، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسر عليه تلاوته وتبليغه، وأن يبينه له، ويفسره ويوضحه ويوقفه على المراد منه. ولهذا قال: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) وقال: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه) أي في صدرك (وقرآنه) أي وأن تقرأه (فإذا قرأناه) أي تلاه عليك الملك (فاتبع قرآنه) أي فاستمع له وتدبره (ثم إن علينا بيانه) وهو نظير قوله (وقل رب زدني علما). وفي الصحيحين من حديث موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه، فأنزل الله (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) قال فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله ﷿ (١).

[فصل]

قال ابن إسحاق: ثم تتابع الوحي إلى رسول الله وهو [مؤمن بالله] مصدق بما جاءه منه، قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله - على رضا العباد وسخطهم - وللنبوة أثقال ومؤنة، لا يحملها ولا يستضلع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل، بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس، وما يرد عليهم مما جاؤوا به عن الله ﷿ فمضى رسول الله على ما أمر الله، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى.

قال ابن إسحاق: وآمنت خديجة بنت خويلد وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدقت بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن رسوله []، لا يسمع شيئا [مما] يكرهه من رد عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، وأرضاها.

قال ابن إسحاق: وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر [بن أبي طالب ]. قال: قال رسول الله : " أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نضب ". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث هشام (٢). قال ابن


(١) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي ١/ ٤ وفي كتاب التوحيد ٩/ ١٨٧ من طريق قتيبة بن سعيد. وأخرجه مسلم في ٤ كتاب الصلاة ٣٢ باب ح ١٤٨ ص ١/ ٣٣٠. والترمذي مختصرا في كتاب التفسير ٥/ ٤٣٠ وقال حسن صحيح. والنسائي في الافتتاح ٢/ ١٤٩. وابن حبان في صحيحه في (٢) كتاب الوحي ح (٣٩).
- (ثم إن علينا بيانه): أي تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام قاله قتادة. كما جاء في تفسير القرطبي ١٩/ ١٠٦.
(٢) الخبر في سيرة ابن هشام ج ١/ ٢٥٧. وما بين معكوفتين في الخبر زيادة من السيرة. والحديث هنا مرسل، وقد أخرجاه عن هشام عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكره لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا نصب
فيه ولا صخب.
أخرجه البخاري في ٦٣ كتاب المناقب ٢٠ باب حديث ٣٨١٧ وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث
٧١، ٧٢، ٧٣. والإمام أحمد في مسنده ٦/ ٥٨، ٢٠٢، ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>