للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ السَّائِبُ بْنُ الْأَقْرَعِ: فَلَمَّا أَنَخْتُ بَعِيرِي بالكوفة، أناخ البريد عَلَى عُرْقُوبِ بَعِيرِي، وَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: لِمَاذَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي.

فَرَجَعْنَا عَلَى إِثْرِنَا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ.

قَالَ: مَالِي وَلَكَ يا بن أُمِّ السَّائِبِ، بَلْ مَا لِابْنِ أُمِّ السَّائِبِ وَمَالِي، قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ وَاللَّهِ إِنْ هُوَ إِلَّا أَنْ نِمْتُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَرَجْتَ فِيهَا فَبَاتَتْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ تَسْحَبُنِي إِلَى ذَيْنِكَ السَّفَطَيْنِ وَهُمَا يَشْتَعِلَانِ نَارًا، يَقُولُونَ لَنَكْوِيَنَّكَ بِهِمَا.

فَأَقُولُ: إِنِّي سَأَقْسِمُهُمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

فَاذْهَبْ بِهِمَا لَا أَبَا لَكَ فَبِعْهُمَا فَاقْسِمْهُمَا فِي أُعْطِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْزَاقِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا وُهِبُوا وَلَمْ تَدْرِ أَنْتَ مَعَهُمْ.

قَالَ السَّائِبُ: فَأَخَذَتْهُمَا حَتَّى جِئْتُ بِهِمَا مَسْجِدَ الْكُوفَةِ وَغَشِيَتْنِي التُّجَّارُ فَابْتَاعَهُمَا مِنِّي عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ.

ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا إِلَى أَرْضِ الْأَعَاجِمِ فَبَاعَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ أَلْفٍ.

فَمَا زَالَ أَكْثَرَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ سَيْفٌ: ثُمَّ قَسَمَ ثَمَنَهُمَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَنَالَ كُلُّ فَارِسٍ أَرْبَعَةَ

آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ السَّفَطَيْنِ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَحَصَلَ لِلْفَارِسِ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ سِتَّةُ آلاف وللراجل ألفان وكل الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا.

قَالَ: وَافْتُتِحَتْ نَهَاوَنْدُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ لِسَبْعِ سِنِينَ مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ، رَوَاهُ سَيْفٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ.

وَبِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا قدم سبي نَهَاوَنْدَ إِلَى الْمَدِينَةِ جَعَلَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ - فَيْرُوزُ غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - لَا يَلْقَى مِنْهُمْ صَغِيرًا إِلَّا مَسَحَ رَأَسَهُ وَبَكَى وَقَالَ: أَكَلَ عُمَرُ كَبِدِي - وَكَانَ أَصْلُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ مِنْ نَهَاوَنْدَ فَأَسَرَتْهُ الرُّومُ أَيَّامَ فَارِسَ وَأَسَرَتْهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ، فَنُسِبَ إِلَى حَيْثُ سُبِيَ - قَالُوا: وَلَمْ تقم للأعاجم بعد هذه الوقعة قائمة، وأتحف عمر الذين أبلوا فيها بألفين تَشْرِيفًا لَهُمْ وَإِظْهَارًا لِشَأْنِهِمْ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا بَعْدَ نَهَاوَنْدَ مَدِينَةَ جَيّ - وَهِيَ مَدِينَةُ أَصْبَهَانَ - بَعْدَ قِتَالٍ كَثِيرٍ وَأُمُورٍ طَوِيلَةٍ، فَصَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كِتَابَ أَمَانٍ وَصُلْحٍ وَفَرَّ مِنْهُمْ ثَلَاثُونَ نَفَرًا إِلَى كِرْمَانَ لَمْ يُصَالِحُوا الْمُسْلِمِينَ (١) .

وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي فَتَحَ أَصْبَهَانَ هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ وَأَنَّهُ قُتِلَ بِهَا، وَوَقَعَ أَمِيرُ الْمَجُوسِ وَهُوَ ذُو الْحَاجِبَيْنِ عَنْ فَرَسِهِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ وَمَاتَ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فَتَحَ أَصْبَهَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِتْبَانَ - الَّذِي كَانَ نَائِبَ الْكُوفَةِ - وَفِيهَا افْتَتَحَ أَبُو مُوسَى قُمَّ وَقَاشَانَ، وَافْتَتَحَ سُهَيْلُ بْنُ عَدِيٍّ مَدِينَةَ كِرْمَانَ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ سار في جيش معه إلى طرابلس (٢) قال:


(١) في فتوح ابن الاعثم: أن الفاذوسفان صاحب أصبهان (وفي الطبري الفيروزان) هرب في ثلاثين فارساً ولحق بيزدجرد.
وفي فتوح البلدان: خرج ليلحق بيزدجرد إلى كرمان فلحق به عبد الله بن بديل ... فتبارزا ثم صالحه الفيرزان على أصبهان انظر الطبري ٤ / ٢٤٧ والكامل ٣ / ١١ وابن الاعثم ٢ / ٦٩ - ٧٠.
(٢) في الطبري ٤ / ٢٥٠ انطابلس.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>