للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفعلوا يبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنسوا (١) بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قلت: وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت وهو تركهم النوح على قتلاهم، فإن البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين. قال ابن إسحاق: وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده، زمعة وعقيل والحارث، وكان يحب أن يبكي على بنيه قال فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له - وكان قد ذهب بصره - أنظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة - يعني ولده زمعة - فإن جوفي قد احترق، قال فلما رجع إليه الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته قال فذاك حين يقول الأسود:

أتبكي أن أضل لها بعير … ويمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر ولكن … على بدر تقاصرت الجدود

على بدر سراة بني هصيص … ومخزوم ورهط أبي الوليد

وبكى إن بكيت أبا (٢) عقيل … وبكى حارثا أسد الأسود

وبكيهم ولا تسمي جميعا … وما لأبي حكيمة من نديد

ألا قد ساد بعدهم رجال … ولولا يوم بدر لم يسودوا

[بعث قريش إلى رسول الله فداء أسراهم]

قال ابن إسحاق: وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي. فقال رسول الله : " إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال، وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه " فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه، قال المطلب بن أبي وداعة وهو الذي كان رسول الله عنى: صدفتم لا تعجلوا، وانسل من الليل وقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به.

قلت: وكان هذا أول أسير فدى ثم بعثت قريش في فداء أسراهم فقد مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف فقال في ذلك:


(١) من ابن هشام وفي الأصل: تستأنسوا تحريف.
حتى تستأنوا: أي تؤخروا فداءهم حتى لا يتشدد في طلب الفداء.
(٢) في ابن هشام: على.

<<  <  ج: ص:  >  >>