للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليضرب انقطعت تكة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا لله فعاد سراويله كما كان، ويروى أنه قال: يا غياث المستغيثين، يا إله العالمين، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة.

ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه والنائب في كل وقت يسأل عنه، وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا، وجعل يسأل النائب عنه والنائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك، ولما شفاه الله بالعافية بقي مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد، وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى (وليعفوا وليصفحوا) الآية [النور: ٢٢]. ويقول: ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك؟ وقد قال تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) [الشورى: ٤٠] وينادي المنادي يوم القيامة: " ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا " وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، ومن تواضع لله رفعه الله) (١).

وكان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية أربعة (٢): أحمد بن حنبل وهو رئيسهم، ومحمد بن نوح بن ميمون الجنديسابوري، ومات في الطريق. ونعيم بن حماد الخزاعي، وقد مات في السجن، وأبو يعقوب البويطي وقد مات في سجن الواثق على القول بخلق القرآن. وكان مثقلا بالحديد. وأحمد بن نصر الخزاعي وقد ذكرنا كيفية مقتله.

[ثناء الأئمة على الإمام أحمد بن حنبل]

قال البخاري: لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدوثة. وقال إسماعيل بن الخليل: لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان نبيا. وقال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم الجمل وصفين. وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل. وقال شيخ أحمد يحيى بن سعيد القطان: ما قدم على بغداد أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل. وقال قتيبة: مات سفيان الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع. وقال: إن أحمد بن حنبل قام في


(١) صحيح مسلم - كتاب البر والصلة (١٩) باب. ح (٢٥٨٨) ص ٤/ ٢٠٠١ باختلاف ألفاظه.
قال العلماء: في الألفاظ الثلاثة أوجه موجودة في العادة معروفة، وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها: في الدنيا والآخرة.
(٢) كذا بالأصل، وسيأتي انهم كانوا خمسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>