للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا تُسْرِعُ الْمَرَاكِبُ فِي سَيْرِهَا مِنَ الْقَرْمِ إلى بحر الروم وتبطئ إِذَا جَاءَتْ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى الْقَرْمِ لِاسْتِقْبَالِهَا جَرَيَانَ الْمَاءِ.

وَهَذَا مِنَ الْعَجَائِبِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ حُلْوٌ إِلَّا هَذَا وَكُلُّ بَحْرٍ رَاكِدٍ فَهُوَ مِلْحٌ أُجَاجٌ إِلَّا مَا يُذْكَرُ عَنْ بَحْرِ الْخَزَرِ وَهُوَ بَحْرُ جُرْجَانَ وَبَحْرُ طَبَرِسْتَانَ أَنَّ فِيهِ قِطْعَةً كَبِيرَةً مَاءً حُلْوًا فُرَاتًا عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُسَافِرُونَ عَنْهُ.

قَالَ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَهُوَ بَحْرٌ مُسْتَدِيرُ الشَّكْلِ إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ * وَقِيلَ إِنَّهُ مُثَلَّثٌ كَالْقَلْعِ وَلَيْسَ هُوَ مُتَّصِلًا بشئ مِنَ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ بَلْ مُنْفَرِدٌ وَحْدَهُ، وَطُولُهُ ثَمَانُمِائَةِ مِيلٍ وَعَرْضُهُ سِتُّمِائَةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْبَحْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَدُّ وَالْجَزْرُ عِنْدَ الْبَصْرَةِ وَفِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ نَظِيرُهُ أَيْضًا يَتَزَايَدُ الْمَاءُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَا يَزَالُ فِي زِيَادَةٍ إِلَى تَمَامِ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْهُ وَهُوَ الْمَدُّ * ثُمَّ يَشْرَعُ فِي النَّقْصِ وَهُوَ الْجَزْرُ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ * وَقَدْ ذَكَرُوا تَحْدِيدَ هَذِهِ الْبِحَارِ وَمُبْتَدَاهَا وَمُنْتَهَاهَا وَذَكَرُوا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْبُحَيْرَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّيُولِ وَهِيَ الْبَطَائِحُ * وَذَكَرُوا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَنْهَارِ الْمَشْهُورَةِ الْكِبَارِ، وَذَكَرُوا ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا وَلَسْنَا بِصَدَدِ بَسْطِ ذَلِكَ وَالتَّطْوِيلِ فِيهِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَنْهَارِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ فَإِذَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ.

فَأَمَّا الْبَاطِنَانِ ففي الجنة وأما الظهران فالنيل والفرات * وفي لفط في البخاري وعنصرهما أَيْ مَادَّتُهُمَا أَوْ شَكْلُهُمَا وَعَلَى صِفَتِهِمَا وَنَعْتِهِمَا وليس في الدنيا مما في الجنة الاسماوية وفي صَحِيحِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَيَزِيدُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ الْفُرَاتُ وَالنِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ " وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَكَأَنَّ الْمُرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ تُشْبِهُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ فِي صَفَائِهَا وَعُذُوبَتِهَا وَجَرَيَانِهَا وَمِنْ جِنْسِ تِلْكَ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ " أَيْ تُشْبِهُ ثَمَرَ الْجَنَّةِ لَا أَنَّهَا مُجْتَنَاةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْحِسَّ يَشْهَدُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>