وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: كنت جالسا عند الثوري فجاءه رجل فقال: رأيت كأن ريحانة من الغرب - يعني قلعت - قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي. فكتبوا ذلك فجاء موت الأوزاعي في ذلك اليوم. وقال أبو مسهر: بلغنا أن سبب موته أن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه، ولم تكن عامدة ذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة. قال: وما خلف ذهبا ولا فضة ولا عقارا، ولا متاعا إلا ستة وثمانين (١)، فضلت من عطائه. وكان قد اكتتب في ديوان الساحل. وقال غيره: كان الذي أغلق عليه باب الحمام صاحب الحمام، أغلقه وذهب لحاجة له ثم جاء ففتح الحمام فوجده ميتا قد وضع يده اليمنى تحت خده وهو مستقبل القبلة ﵀.
قلت: لا خلاف أنه مات ببيروت مرابطا، واختلفوا في سنه ووفاته، فروى يعقوب بن سفيان عن سلمة قال: قال أحمد: رأيت الأوزاعي وتوفي سنة خمسين ومائة. قال العباس بن الوليد البيروتي: توفي يوم الأحد أول النهار لليلتين بقيتا من صفر سنة سبع وخمسين ومائة، وهو الذي عليه الجمهور وهو الصحيح، وهو قول أبي مسهر وهشام بن عمار والوليد بن مسلم - في أصح الروايات عنه - ويحيى بن معين ودحيم وخليفة بن خياط وأبي عبيد وسعيد بن عبد العزيز وغير واحد. قال العباس بن الوليد: ولم يبلغ سبعين سنة. وقال غيره: جاوز السبعين، والصحيح سبع وستون سنة، لان ميلاده في سنة ثمان وثمانين على الصحيح. وقيل إنه ولد سنة ثلاث وسبعين، وهذا ضعيف. وقد رآه بعضهم في المنام فقال له: دلني على عمل يقربني إلى الله. فقال: ما رأيت في الجنة درجة أعلا من درجة العلماء العاملين، ثم المحزونين.
[ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة]
فيها تكامل بناء قصر المنصور المسمى بالخلد وسكنه أياما يسيرة ثم مات وتركه، وفيها مات طاغية الروم. وفيها وجه المنصور ابنه المهدي إلى الرقة وأمره بعزل موسى بن كعب عن الموصل، وأن يولي عليها خالد بن برمك، وكان ذلك بعد نكتة غريبة اتفقت ليحيى بن خالد، وذلك أن المنصور كان قد غضب على خالد بن برمك، وألزمه بحمل ثلاثة آلاف ألف، فضاق ذرعا بذلك، ولم يبق له مال ولا حال وعجز عن أكثرها، وقد أجله ثلاثة أيام، وأن يحمل ذلك في هذه الثلاثة الأيام وإلا فدمه هدر فجعل يرسل ابنه يحيى إلى أصحابه من الأمراء يستقرض منهم، فكان منهم من أعطاه مائة الف، ومنهم أقل وأكثر. قال يحيى بن خالد: فبينا أنا ذات يوم من تلك الأيام الثلاثة على جسر بغداد، وأنا مهموم في تحصيل ما طلب منا مما لا طاقة لنا به، إذ وثب إلي زاجر من أولئك الذين يكونون عند الجسر