للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَعْجَزُ عَنْهُ الْوَصْفُ: مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ مد من ذَهَبٍ غَيْرُ الْوَرِقِ، مَعَ جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَبَذْلِهِ وَعَطَايَاهُ الْجَزِيلَةِ، فإنَّه كَانَ مِنْ أَعْطَى النَّاسَ لِلْجَزِيلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْعَهْدِ الَّذِي لَهُ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْوَلِيدِ أَوْ يَكُونَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِنَّهُ أَعَزُّ الْخَلْقِ عَلَيَّ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ يَقُولُ: إِنِّي أَرَى فِي أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا تَرَى فِي الْوَلِيدِ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَأْمُرُهُ.

بِحَمْلِ خَرَاجِ مِصْرَ - وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لَا يَحْمِلُ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْخَرَاجِ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِلَادُ مِصْرَ بِكَمَالِهَا وَبِلَادُ الْمَغْرِبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهَا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ، مَغَانِمُهَا وَخَرَاجُهَا وَحِمْلُهَا - فَكَتَبَ عَبْدُ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنِّي وَإِيَّاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قد بلغنا سناً لا يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ إِلَّا كَانَ بَقَاؤُهُ قَلِيلًا، وَإِنِّي لَا أَدْرِي وَلَا تَدْرِي أَيُّنَا يَأْتِيهِ الْمَوْتُ أَوَّلًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ لا تعتب (١) عَلَيَّ بَقِيَّةَ عُمْرِي فَافْعَلْ، فَرَقَّ لَهُ عَبْدُ الملك وكتب إليه: لعمري لا أعتب (٢) عَلَيْكَ بَقِيَّةَ عُمْرِكَ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَكَهَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الْعِبَادِ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ عنك، ثم قال لابنه الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ: هَلْ قَارَفْتُمَا مُحَرَّمًا أَوْ حَرَامًا قط؟ فقالا: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، نِلْتُمَاهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

وَيُقَالُ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا امْتَنَعَ أخوه من إجابته إلى ما طلب منه في بَيْعَتِهِ لِوَلَدِهِ الْوَلِيدِ دَعَا عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَطَعَنِي فَاقْطَعْهُ، فَمَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَوْتِ أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْلًا حَزِنَ وَبَكَى وَبَكَى أَهْلُهُ بُكَاءً كَثِيرًا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَكِنْ سَرَّهُ ذلك من جهة ابنيه فإنه نال فيها مَا كَانَ يُؤَمِّلُهُ لَهُمَا مِنْ وِلَايَتِهِ إِيَّاهُمَا بعده.

وقد كان الحجاج بعث إلى عبد الملك يحسّن له

ولاية الوليد ويزينها له مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْفَدَ إِلَيْهِ وَفَدًا فِي ذَلِكَ عليهم عمران بن عصام العثري (٣) ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَامَ عِمْرَانُ خَطِيبًا فَتَكَلَّمَ وَتَكَلَّمَ الْوَفْدُ فِي ذَلِكَ وَحَثُّوا عَبْدَ الْمَلِكِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْشَدَ عِمْرَانُ بْنُ عِصَامٍ فِي ذَلِكَ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْكَ نُهْدِي * عَلَى النَّأْيِ التَّحِيَّةَ وَالسِّلَامَا أَجِبْنِي فِي بَنِيكَ يَكُنْ جَوَابِي * لَهُمْ عَادِيَةً وَلَنَا قِوَامَا فَلَوْ أَنَّ الْوَلِيدَ أُطَاعُ فِيهِ * جَعَلْتَ لَهُ الْخِلَافَةَ وَالذِّمَامَا شَبِيهُكَ حَوْلَ قُبَّتِهِ قُرَيْشٌ * بِهِ يَسْتَمْطِرُ النَّاسُ الْغَمَامَا وَمِثْلُكَ فِي التُّقَى لَمْ يَصْبُ يَوْمًا * لَدُنْ خَلَعَ الْقَلَائِدَ وَالْتِمَامًا فَإِنْ تُؤْثِرْ أَخَاكَ بِهَا فإنا * وجدك لا نَطيقُ لها اتهاما


(١) في الطبري ٨ / ٥٤: لا تغثث، وفي ابن الاثير ٤ / ٥١٤: لا تفسد.
(٢) في الطبري: لا أغثث عليه بقية عمره.
وفي ابن الاثير: فرق له عبد الملك وتركه.
(٣) في الطبري: العنزي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>