للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمْ قَدْ قَضَيْتُ أُمُورًا كَانَ أَهْمَلَهَا * غَيْرِي وَقَدْ أَخَذَ الْإِفْلَاسُ بِالْكَظَمِ لَا تَعْذِلِينِي فِيمَا ليس ينفعني * إليك عني جرى المقدور (١) بِالْقَلَمِ سَأُتْلِفُ الْمَالَ فِي عُسْرٍ وَفِي يُسْرٍ * إن الجواد يعطي على العدم وفيها أمر المتوكل أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَمَيَّزُوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي لباسهم وعمائمهم وثيابهم، وأن يتطيلسوا بالمصبوغ بالقلى وأن يكون على عمائمهم رِقَاعٌ مُخَالِفَةٌ لِلَوْنِ ثِيَابِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَمِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَأَنْ يُلْزَمُوا بِالزَّنَانِيرِ الْخَاصِرَةِ لِثِيَابِهِمْ كَزَنَانِيرِ الْفَلَّاحِينَ الْيَوْمَ، وَأَنْ يَحْمِلُوا فِي رِقَابِهِمْ كُرَاتٍ مِنْ خَشَبٍ كَثِيرَةً، وَأَنْ لَا يَرْكَبُوا خَيْلًا، وَلْتَكُنْ رُكُبُهُمْ مِنْ خَشَبٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُذِلَّةِ لَهُمُ الْمُهِينَةِ لِنُفُوسِهِمْ، وأن لا يستعملوا في شئ مِنَ الدَّوَاوِينِ الَّتِي يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا حُكْمٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَمَرَ بِتَخْرِيبِ كَنَائِسِهِمُ الْمُحْدَثَةِ، وَبِتَضْيِيقِ منازلهم المتسعة، فيؤخذ منها العشر، وأن يعمل مما كان متسعاً من منازلهم مسجد، وَأَمَرَ بِتَسْوِيَةِ قُبُورِهِمْ بِالْأَرْضِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْآفَاقِ، وَإِلَى كُلِّ بَلَدٍ وَرُسْتَاقٍ.

وَفِيهَا خَرَجَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودُ بْنُ الْفَرَجِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى خشبة بابك وَهُوَ مَصْلُوبٌ فَيَقْعُدُ قَرِيبًا مِنْهُ، وَذَلِكَ بِقُرْبِ دار الخلافة بسر مَنْ رَأَى، فَادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَقَدِ اتَّبَعَهُ عَلَى هَذِهِ الضَّلَالَةِ وَوَافَقَهُ على هَذِهِ الْجَهَالَةِ جَمَاعَةٌ قَلِيلُونَ، وَهُمْ تِسْعَةٌ (٢) وَعِشْرُونَ رَجُلًا، وَقَدْ نَظَمَ لَهُمْ كَلَامًا فِي مُصْحَفٍ له قبّحه الله، زعم أن جبريل جَاءَهُ بِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأُخِذَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إلى المتوكل فأمر فَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسِّيَاطِ، فَاعْتَرَفَ بِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ وَمَا هُوَ مُعَوِّلٌ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَالرُّجُوعَ عَنْهُ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ كُلَّ واحد من أتباعه التسعة والعشرين أن يصفعه فصفعوه عشر صفعات فعليه وعليهم لعنة رب الأرض والسَّموات.

ثُمَّ اتَّفَقَ مَوْتُهُ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الحجة أخذ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ: مُحَمَّدٌ الْمُنْتَصِرُ، ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُعْتَزُّ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَقِيلَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ لإبراهيم وسماه المؤيد بالله (٣) ، ولم يل الخلافة هذا.

وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً مِنَ الْبِلَادِ يكون نائباً عليها ويستنيب فِيهَا وَيَضْرِبُ لَهُ السَّكَّةُ بِهَا، وَقَدْ عَيَّنَ ابْنُ جَرِيرٍ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ البلدان والأقاليم، وَعَقَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَاءَيْنِ لِوَاءً أَسْوَدَ للعهد، ولواء للعمالة، وكتب بينهم كتاباً بالرضى منهم ومبايعته لأكثر الأمراء عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.

وَفِيهَا فِي شهر ذي الحجة مِنْهَا تَغَيَّرَ مَاءُ دِجْلَةَ إِلَى الصُّفْرَةِ ثَلَاثَةَ أيَّام ثمَّ


(١) في الطبري ١١ / ٣٥ وابن الاثير ٧ / ٤٨: المقدار.
(٢) في الطبري ١١ / ٣٨ وابن الاثير ٧ / ٥٠: سبعة.
(٣) في مروج الذهب ٤ / ١٠٠: المستعين بالله.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>