للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماله علي من غلة الدار إن شاء الله، فإذا استوفى أعطى ولد صالح كل ذكر وأنثى عشرة دراهم (١).

ثم استدعى بالصبيان من ورثته فجعل يدعو لهم، وكان قد ولد له صبي قبل موته بخمسين يوما فسماه سعيدا، وكان له ولد آخر اسمه محمد قد مشى حين مرض فدعاه فالتزمه وقبله ثم قال: ما كنت أصنع بالولد على كبر السن؟ فقيل له: ذرية تكون بعدك يدعون لك. قال وذاك إن حصل. وجعل يحمد الله تعالى. وقد بلغه في مرضه عن طاوس أنه كان يكره أنين المريض فترك الأنين فلم يئن حتى كانت الليلة التي توفي في صبيحتها أن، وكانت ليلة الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول من هذه السنة، فأن حين اشتد به الوجع. وقد روي عن ابنه عبد الله ويروى عن صالح أيضا أنه قال: حين احتضر أبي جعل يكثر أن يقول: لا بعد، لا بعد، فقلت: يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بها في هذه الساعة؟ فقال: يا بني إن إبليس واقف في زاوية البيت وهو عاض على إصبعه وهو يقول: فتني يا أحمد؟ فأقول لا بعد لا بعد - يعني لا يفوته حتى تخرج نفسه من جسده على التوحيد - كما جاء في بعض الأحاديث قال إبليس: يا رب وعزتك وجلالك ما أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله: وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني.

وأحسن ما كان من أمره أنه أشار إلى أهله أن يوضؤه فجعلوا يوضؤنه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي وهو يذكر الله ﷿ في جميع ذلك، فلما أكملوا وضوءه توفي ورضي عنه. وقد كانت وفاته يوم الجمعة حين مضى منه نحو من ساعتين (٢)، فاجتمع الناس في الشوارع وبعث محمد بن طاهر حاجبه ومعه غلمان ومعهم مناديل فيها أكفان، وأرسل يقول: هذا نيابة عن الخليفة، فإنه لو كان حاضرا لبعث بهذا. فأرسل أولاده يقولون: إن أمير المؤمنين كان قد أعفاه في حياته مما يكره وأبوا أن يكفنوه بتلك الأكفان، وأتي بثوب كان قد غزلته جاريته فكفنوه واشتروا معه عوز لفافة وحنوطا، واشتروا له راوية ماء وامتنعوا أن يغسلوه بماء بيوتهم، لأنه كان قد هجر بيوتهم فلا يأكل منها ولا يستعير من أمتعتهم شيئا، وكان لا يزال متغضبا عليهم لأنهم كانوا يتناولون ما رتب لهم على بيت المال، وهو في كل شهر أربعة آلاف درهم وكان لهم عيال كثيرة وهم فقراء. وحضر غسله نحو من مائة من بيت الخلافة من بني هاشم، فجعلوا يقبلون بين عينيه ويدعون له ويترحمون عليه . وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله من الرجال والنساء ما لم يعلم عددهم إلا الله، ونائب البلد محمد بن عبد الله بن طاهر واقف في جملة الناس، ثم تقدم فعزى أولاد الإمام أحمد فيه، وكان هو الذي أم الناس في الصلاة عليه، وقد أعاد جماعة الصلاة عليه عند القبر وعلى القبر بعد أن دفن من أجل ذلك، ولم يستقر في قبره إلا بعد صلاة العصر وذلك لكثرة الخلق.


(١) نسخة الوصية في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص ٣٧١. والمنهج الأحمد ١/ ٩٤.
(٢) في مناقب ابن الجوزي ص ٤٠٦: فلما كان صدر النهار قبض. وفي الوفيات ١/ ٦٤: توفي ضحوة نهار الجمعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>