والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة، قوموا فبايعوا. فكان أول من قام إليه عبد الله بن همام السلولي وهو يقول: -
الله أعطاك التي لا فوقها … وقد أراد الملحدون عوقها
عنك ويأبى الله إلا سوقها … إليك حتى قلدوك طوقها
ثم بايعه وبايع الناس بعده. وذكر الواقدي: أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابقته ما كتبه على أنبيائه وحملة عرشه وملائكته الموت، وقد صار إلى منازل الأبرار بما لاقاه في هذه الأمة - يعني بالذي يحق لله عليه - من الشدة على لمريب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منار الاسلام وإعلائه (١) من حج هذا البيت وغزو هذه الثغور وشن هذه الغارات على أعداء الله ﷿ فلم يكن عاجزا ولا مفرطا، أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد، أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه. ثم نزل فنظر ما كان من دواب الخلافة فحازها. وكان جبارا عنيدا. وقد ورد في ولاية الوليد حديث غريب، وإنما هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك كما سيأتي، وكما تقدم تقريره في دلائل النبوة في باب الاخبار عن الغيوب المستقبلة، فيما يتعلق بدولة بني أمية، وأما الوليد بن عبد الملك هذا فقد كان صينا في نفسه حازما في رأيه، يقال إنه لا تعرف له صبوة، ومن جملة محاسنه ما صح عنه أنه قال: لولا أن الله قص لنا قصة قوم لوط في كتابه ما ظننا أن ذكرا كان يأتي ذكرا كما تؤتى النساء، كما سيأتي ذلك في ترجمته عند ذكر وفاته، وهو باني مسجد جامع دمشق الذي لا يعرف في الآفاق أحسن بناء منه، وقد شرع في بنائه في ذي القعدة من هذه السنة، فلم يزل في بنائه وتحسينه مدة خلافته وهي عشر سنين، فلما أنهاه انتهت أيام خلافته كما سيأتي بيان ذلك مفصلا. وقد كان موضع هذا المسجد كنيسة يقال لها كنيسة يوحنا، فلما فتحت الصحابة دمشق جعلوها مناصفة، فأخذوا منها الجانب الشرقي فحولوه مسجدا، وبقي الجانب الغربي كنيسة بحاله من لدن سنة أربع عشرة إلى هذه السنة، فعزم الوليد على أخذ بقية الكنيسة منهم وعوضهم عنها كنيسة مريم لدخولها في جانب السيف، وقيل عوضهم عنها كنيسة توما، وهدم بقية هذه الكنيسة وأضافها إلى مسجد الصحابة، وجعل الجميع مسجدا واحدا على هيئة بديعة لا يعرف كثير من الناس أو أكثرهم لها نظيرا في البنيان والزينات والآثار والعمارات، والله سبحانه أعلم.
[ثم دخلت سنة سبع وثمانين]
ففيها عزل الوليد بن عبد الملك هشام بن إسماعيل عن إمرة المدينة وولى عليها ابن عمه وزوج أخته فاطمة بنت عبد الملك عمر بن عبد العزيز، فدخلها على ثلاثين بعيرا في ربيع الأول منها، فنزل