للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل وكتب الفاضل كتاباً على لسان السلطان إلى ملك المغرب أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَسُلْطَانِ جَيْشِ الْمُوَحِّدِينَ، يَعْقُوبَ بْنِ يوسف بن عبد المؤمن، يستنجده فِي إِرْسَالِ مَرَاكِبَ فِي الْبَحْرِ تَكُونُ عَوْنًا للمسلمين على المراكب الفرنجية في عبارة طويلة فصيحة بليغة مليحة، حكاها أبو شامة بطولها.

وبعث السلطان صلاح الدين مع الكتاب سنية من التحف والألطاف، صُحْبَةَ الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ شَمْسِ الدِّينِ أَبِي الْحَزْمِ عبد الرحمن بن منقذ، وسار في البحر في ثامن ذي القعدة، فَدَخَلَ عَلَى سُلْطَانِ الْمَغْرِبِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، وَلَمْ يُفِدْ هذا الإرسال شيئاً، لأنه تغضب إذ لم يلقب بأمير المؤمنين، وكان إشارة الفاضل إلى عدم الإرسال إليه، ولكن وقع ما وقع بمشيئة الله.

فصل وفيها حصل للناصر صلاح الدين سُوءُ مِزَاجٍ (١) مِنْ كَثْرَةِ مَا يُكَابِدُهُ مِنَ الأمور، فطمع العدو المخذول في حوزة الْإِسْلَامِ، فَتَجَرَّدَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لِلْقِتَالِ، وَثَبَتَ آخَرُونَ على الحصار، فأقبلوا فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَعُدَدٍ، فَرَتَّبَ السُّلْطَانُ الْجُيُوشَ يمنة ويسرة، وقلباً وجناحين، فلما رأى العدو الجيش الكثيف فروا فقتلوا منهم خلقاً كثيراً وجماً غفيراً.

فَصْلٌ وَلَمَّا دَخَلَ فَصْلُ الشِّتَاءِ وَانْشَمَرَتْ مَرَاكِبُ الفرنج عَنِ الْبَلَدِ خَوْفًا مِنَ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ اغْتِلَامِ البحر، سأل من بالبلد مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يُرِيحَهُمْ مِمَّا هم فيه من الحصر العظيم، والقتال ليلاً ونهاراً، وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَى الْبَلَدِ بَدَلَهُمْ، فَرَقَّ لَهُمُ السُّلْطَانُ وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ مُسْلِمٍ مَا بَيْنَ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ، فَجَهَّزَ جَيْشًا آخَرَ غَيْرَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَأْيٍ جَيِّدٍ، وَلَكِنْ مَا قَصَدَ السُّلْطَانُ إِلَّا خيراً، وأن هؤلاء يدخلون البلد بهمم حدة شديدة، ولهم عزم قوي، وهم في


(١) تقدم في معركة حصار عكا أن المسلمين قتلوا من الفرنج مقتلة عظيمة، كانت عدة قتلى الفرنج نحو عشرة آلاف أمر
بهم فألقوا في النهر الذي يشرب منه الافرنج، فجافت الارض من نتن ريحهم وفسد الهواء والجو وحدث للامزجة فساد.
وانحرف مزاج صلاح الدين، وحدث له قولنج مبرح كان يعتاده فحضر عنده الامراء وأشاروا عليه بالانتقال من ذلك الموضع، ووافقهم الاطباء على ذلك فأجبابهم إلى ذلك ورحلوا إلى الخروبة، فلما رحل هو وعساكره أمن الفرنج وانبسطوا في تلك الأرض وعادوا فحصروا عكا (راجع ابن الاثير - ابن خلدون) .
وقال أبو الفداء في تاريخه: وحصل للسلطان مغص فانقطع في خيمة صغيرة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>