للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحَفَّةِ وَأَظْهَرُوا عَافِيَتَهُ وَتَبَاشَرُوا بِذَلِكَ.

وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِقْدَامٌ هَائِلٌ.

وَفِيهَا حَجَّ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَفِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ الْخَزَنْدَارُ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّين سُلَيْمَانُ الْحَنَفِيُّ، وَفَخْرُ الدِّينِ بْنُ لُقْمَانَ، وَتَاجُ الدِّينِ بْنُ الْأَثِيرِ ونحو من ثلاثمائة مملوك، وأجناد من الخلقة الْمَنْصُورَةِ، فَسَارَ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَكِ وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهَا ثُمَّ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهَا، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمُجَاوِرِينَ ثُمَّ وَقَفَ

بِعَرَفَةَ وَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفُتِحَتْ لَهُ الْكَعْبَةُ فَغَسَلَهَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَطَيَّبَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ وَقَفَ بِبَابِ الْكَعْبَةِ فَتَنَاوَلَ أَيْدِي النَّاسِ لِيَدْخُلُوا الْكَعْبَةَ وهو بينهم، ثُمَّ رَجَعَ فَرَمَى الْجَمَرَاتِ ثُمَّ تَعَجَّلَ النَّفْرَ (١) فَعَادَ عَلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فَزَارَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ مَرَّةً ثَانِيَةً عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الْكِرَامِ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

ثُمَّ سَارَ إِلَى الْكَرَكِ فَدَخَلَهَا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ (٢) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرْسَلَ الْبَشِيرَ إِلَى دِمَشْقَ بِقُدُومِهِ سَالِمًا، فَخَرَجَ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ النَّجِيبِيُّ نَائِبُهَا لِيَتَلَقَّى الْبَشِيرَ فِي ثَانِي الْمُحَرَّمِ، فَإِذَا هُوَ السُّلْطَانُ نَفْسُهُ يَسِيرُ فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَقَدْ سَبَقَ الْجَمِيعَ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَةِ سَيْرِهِ وَصَبْرِهِ وَجَلَدِهِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ فَوْرِهِ حَتَّى دَخَلَ حَلَبَ فِي سَادِسِ الْمُحَرَّمِ لِيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى حَمَاةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ ثُمَّ سَارَ إِلَى مِصْرَ فَدَخَلَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثَ صَفَرٍ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَفِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ أَغْرَقَتْ مِائَتَيْ مَرْكَبٍ فِي النِّيلِ، وَهَلَكَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَوَقَعَ هُنَاكَ مَطَرٌ شَدِيدٌ جِدًّا، وَأَصَابَ الشَّامَ مِنْ ذَلِكَ صاعقة أَهْلَكَتِ الثِّمَارَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَفِيهَا أَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْخُلْفَ بَيْنَ التَّتَارِ مِنْ أَصْحَابِ أَبْغَا وَأَصْحَابِ ابْنِ مَنْكُوتَمُرَ ابْنِ عَمِّهِ وَتَفَرَّقُوا وَاشْتَغَلُوا بِبَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَفِيهَا خَرَجَ أَهْلُ حَرَّانَ مِنْهَا وَقَدِمُوا الشَّامَ، وَكَانَ فِيهِمْ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بن تَيْمِيَّةَ صُحْبَةَ أَبِيهِ وَعُمْرُهُ سِتُّ سِنِينَ، وَأَخُوهُ زَيْنُ الدِّين عَبْدُ الرَّحمن وَشَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ الله، وهما أصغر منه.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْأَمِيرُ عِزُّ الدين أيدمر بن عبد الله الحلبي الصَّالِحِيُّ، كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَأَحْظَاهُمْ عِنْدَ الملوك، ثم عند الملك الظاهر، كايستنيبه إِذَا غَابَ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السِّنَةُ أَخَذَهُ مَعَهُ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقَلْعَةِ دِمَشْقَ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ


(١) خرج من مكة في ثالث عشر ذي الحجة ووصل المدينة في العشرين من ذي الحجة وخرج باكر النهار الثاني (الروض الزاهر ص ٣٥٧) .
(٢) في الروض الزاهر: سلخ ذي الحجة (تاريخ أبي الفداء) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>