للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إما حارث وهو الفاعل، أو همام من الهمة وهو العزم والخاطر، وذكر أن أول مقامة عملها الثامنة والأربعون وهي الحرامية، وكان سببها أنه دخل عليهم في مسجد البصرة رجل ذو طمرين فصيح اللسان، فاستسموه، فقال: أبو زيد السروجي، فعمل فيه هذه المقامة، فأشار عليه وزير الخليفة المسترشد جلال الدين عميد الدولة أبو علي الحسن بن أبي المعز بن صدقة، أن يكمل عليها تمام خمسين مقامة. قال ابن خلكان: كذا رأيته في نسخة بخط المصنف، على حاشيتها، وهو أصح من قول من قال إنه الوزير شرف الدين أبو نصر أنوشروان بن محمد بن خالد بن محمد القاشاني، وهو وزير المسترشد أيضا، ويقال إن الحريري كان قد عملها أربعين مقامة، فلما قدم بغداد ولم يصدق في ذلك لعجز الناس عن مثلها، فامتحنه بعض الوزراء أن يعمل مقامة فأخذ الدواة والقرطاس وجلس ناحية فلم يتيسر له شئ، فلما عاد إلى بلده عمل عشرة أخرى فأتمها خمسين مقامة، وقد قال فيه أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر، وكان من جملة المكذبين له فيها:

شيخ لنا من ربيعة الفرس … ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله بالمشان كما … رماه وسط الديوان بالخرس

ومعنى قوله بالمشان هو مكان بالبصرة، وكان الحريري صدر ديوان المشان، ويقال إنه كان ذميم الخلق، فاتفق أن رجلا رحل إليه فلما رآه ازدراه ففهم الحريري ذلك فأنشأ يقول:

ما أنت أول سار غره قمر … ورائدا أعجبته خضرة الدمن

فاختر لنفسك غيري إنني رجل … مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترني

ويقال إن المعيدي اسم حصان جواد كان في العرب ذميم الخلق والله أعلم.

[البغوي المفسر]

الحسين بن مسعود بن محمد البغوي، صاحب التفسير وشرح السنة والتهذيب في الفقه، والجمع بين الصحيحين والمصابيح في الصحاح والحسان، وغير ذلك، اشتغل على القاضي حسين وبرع في هذه العلوم، وكان علامة زمانه فيها، وكان دينا ورعا زاهدا عابدا صالحا. توفي في شوال منها وقيل في سنة عشر فالله أعلم. ودفن مع شيخه القاضي حسين بالطالقان. والله أعلم.

[ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة]

في يوم عاشوراء منها عاد الخليفة من الحلة إلى بغداد مؤيدا منصورا من قتال دبيس. وفيها عزم الخليفة على طهور أولاد أخيه، وكانوا اثني عشر ذكرا، فزينت بغداد سبعة أيام بزينة لم ير مثلها. وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>