للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَنِيهِ فَنَازِلَا * وِاحِدًا ثُمَّ وَاحِدَا ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ، وَقَدْ رَثَاهُ القاضي ناصر الدين ابن المنير، وله فيه مدائح وأشعار حسنة فصيحة رائقة.

ابن أبي الحديد الشاعر العراقي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو حَامِدِ بْنِ أَبِي الْحَدِيدِ عِزُّ الدِّينِ الْمَدَائِنِيُّ، الْكَاتِبُ الشَّاعِرُ الْمُطَبِّقُ الشِّيعِيُّ الْغَالِي، لَهُ شَرْحُ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ فِي عِشْرِينَ مُجَلَّدًا، وُلِدَ بِالْمَدَائِنِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائَةٍ، ثمَّ صَارَ إِلَى بَغْدَادَ فَكَانَ أَحَدَ الْكُتَّابِ وَالشُّعَرَاءِ بِالدِّيوَانِ الْخَلِيفَتِيِّ، وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُقَارَبَةِ وَالْمُشَابَهَةِ فِي التَّشَيُّعِ وَالْأَدَبِ وَالْفَضِيلَةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ مَدَائِحِهِ وَأَشْعَارِهِ الْفَائِقَةِ الرَّائِقَةِ،

وَكَانَ أَكْثَرَ فَضِيلَةً وَأَدَبًا مِنْ أَخِيهِ أَبِي الْمَعَالِي مُوَفَّقِ الدين بْنِ هِبَةِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ فَاضِلًا بَارِعًا أَيْضًا، وَقَدْ مَاتَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ رحمهما اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وستَّمائة فِيهَا أَخَذَتِ التَّتَارُ بَغْدَادَ وَقَتَلُوا أَكْثَرَ أَهْلِهَا حَتَّى الْخَلِيفَةَ، وَانْقَضَتْ دَوْلَةُ بَنِي العبَّاس مِنْهَا.

اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَجُنُودُ التَّتَارِ قَدْ نَازَلَتْ بَغْدَادَ صُحْبَةَ الْأَمِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى مُقَدِّمَةِ عَسَاكِرِ سلطان التتار، هولاكو خان، وَجَاءَتْ إِلَيْهِمْ أَمْدَادُ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ يُسَاعِدُونَهُمْ عَلَى الْبَغَادِدَةِ وَمِيرَتُهُ وَهَدَايَاهُ وَتُحَفُهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ التَّتَارِ، وَمُصَانَعَةً لَهُمْ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ سُتِرَتْ بَغْدَادُ وَنُصِبَتْ فِيهَا الْمَجَانِيقُ وَالْعَرَّادَاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ آلَاتِ الْمُمَانَعَةِ الَّتِي لَا تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَيْئًا، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ " لَنْ يُغْنِيَ حَذَرٌ عَنْ قَدَرٍ " وَكَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ) [نوح: ٤] وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بقوم سوء فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: ١١] وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى أُصِيبَتْ جَارِيَةٌ كَانَتْ تَلْعَبُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ وَتُضْحِكُهُ، وَكَانَتْ مِنْ جملة حظاياه، وَكَانَتْ مُوَلَّدَةً تُسَمَّى عَرَفَةَ، جَاءَهَا سَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الشَّبَابِيكِ فَقَتَلَهَا وَهِيَ تَرْقُصُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ، فَانْزَعَجَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ وَفَزِعَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَأَحْضَرَ السَّهْمَ الَّذِي أَصَابَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِنْفَاذَ قضائه وقدره أذهب من ذَوِي الْعُقُولِ عُقُولَهُمْ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ عِنْدَ ذَلِكَ بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة - وكان قدوم هلاكو خان بِجُنُودِهِ كُلِّهَا، وَكَانُوا نَحْوَ مِائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ - إِلَى بَغْدَادَ فِي ثَانِي عَشَرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ شَدِيدُ الْحَنَقِ عَلَى الْخَلِيفَةِ بِسَبَبِ مَا كَانَ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ وَأَنْفَذَهُ وَأَمْضَاهُ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>