للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَقُلْتُ: فلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: إنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يعذَّبان، فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يرفع (١) ذلك عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطِبَيْنِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: يَا جابر ناد الوضوء، فَقُلْتُ: أَلَا وَضُوءَ أَلَا وَضُوءَ أَلَا وَضُوءَ؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكب مِنْ قَطْرَةٍ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأنصار يبرد لرسول الله فِي أَشِجَابٍ (٢) لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ (٣) مِنْ جَرِيدٍ قَالَ: فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ فانظر هل ترى في أشجابه من شئ؟ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ (٤) شَجْبٍ مِنْهَا - لو أني أفرغته لشربه يابسه، فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شجب منها، لو أني أفرغته لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَيْتُهُ فأخذه بيده فجعل يتكلم بشئ لا أدري ما هو، وغمرني بيده ثُمَّ أَعْطَانِيهِ فَقَالَ: يَا جَابِرُ نَادِ بِجَفْنَةٍ، فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكب، فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا.

فَبَسَطَهَا وفرَّق بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ وَقَالَ: خُذْ يَا جَابِرُ فصبَّ عليَّ وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ فَقَالَ: يَا جَابِرُ نَادِ من كانت لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ، قَالَ فَأَتَى النَّاس فَاسْتَقَوْا حتى رووا، فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَدَهُ من الجفنة وهي ملأى.

قال: وشكى النَّاس إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْجُوعَ، فَقَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ، فأتينا سيف البحر.

فزجر (٥) زجرة فألقى دابة، فأورينا على شقها النَّار، فطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة في محاجر (٦) عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ، حَتَّى خَرَجْنَا وَأَخَذْنَا ضلعاً من أضلاعها فَقَوَّسْنَاهُ ثُمَّ

دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ (٧) فِي الرَّكب وأعظم حل فِي الرَّكب وَأَعْظَمَ كِفْلٍ فِي الرَّكب فَدَخَلَ تحتها مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بن إسمعيل، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَطِشَ النَّاس يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ والنَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يتوضأ [منها] فجهش الناس نحوه، قال: مالكم؟ قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بين أصابعه كأمثال العيون،


(١) في مسلم: يرفه عنهما: أي يخفف.
(٢) أشجاب: جمع شجب، وهو السقاء الذي قد أخلق وبلي وصار شنا.
يقال: شاجب أي يابس، وهو من الشجب الذي هو الهلاك.
(٣) حمارة: أعواد تعلق عليها أسقية الماء.
(٤) من مسلم، وفي الاصل: غرلا، وعزلاء: فم القربة.
(٥) في مسلم: فزخر البحر زخرة: أي علا موجه.
(٦) في مسلم: في حجاج عينها.
(٧) من مسلم، وفي الاصل: جمل.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>