للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ فِي حَيَاةِ مُعَاوِيَةَ كَانَ الْحُسَيْنُ مِمَّنِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ هُوَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مُصَمِّمٌ عَلَى ذَلِكَ، فلمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ سَنَةَ سِتِّينَ وَبُويِعَ لِيَزِيدَ، بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَصَمَّمَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَرَجَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَارِّينَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَا بِهَا، فَعَكَفَ النَّاسُ عَلَى الْحُسَيْنِ يَفِدُونَ إِلَيْهِ وَيَقْدَمُونَ عَلَيْهِ وَيَجْلِسُونَ حَوَالَيْهِ، وَيَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ، حِينَ سَمِعُوا بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ وَخِلَافَةِ يَزِيدَ، وَأَمَّا ابْنُ الزُّبير فإنَّه لَزِمَ مُصَلَّاهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ فِي غُبُونِ ذَلِكَ إِلَى الْحُسَيْنِ فِي جُمْلَةِ النَّاسِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ شئ مِمَّا فِي نَفْسِهِ مَعَ وُجُودِ الْحُسَيْنِ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ تَعْظِيمِ النَّاسِ لَهُ وَتَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَتِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ إِلَى مَكَّةَ بِسَبَبِهِ، وَلَكِنْ أَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ آنِفًا، فَانْقَشَعَتِ السَّرَايَا عَنْ مَكَّةَ مَفْلُولِينَ وَانْتَصَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مَنْ أَرَادَ هَلَاكَهُ مِنَ الْيَزِيدِيِّينَ، وَضَرَبَ أَخَاهُ عَمْرًا وَسَجَنَهُ وَاقْتَصَّ مِنْهُ وَأَهَانَهُ، وَعَظُمَ شَأْنُ ابْنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِبِلَادِ الْحِجَازِ، وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ وبُعد صِيتُهُ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَيْسَ هُوَ مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ مِثْلَ الْحُسَيْنِ، بَلِ النَّاسُ إِنَّمَا مَيْلُهُمْ إِلَى الْحُسَيْنِ لِأَنَّهُ السَّيِّدُ الْكَبِيرُ، وَابْنُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يومئذٍ أَحَدٌ يُسَامِيهِ وَلَا يُسَاوِيهِ، وَلَكِنَّ الدَّوْلَةَ اليزيدية كانت كُلَّهَا تُنَاوِئُهُ.

وَقَدْ كَثُرَ وُرُودُ الْكُتُبِ عَلَيْهِ من بلاد العراق يعدونه إِلَيْهِمْ - وَذَلِكَ حِينَ بَلَغَهُمْ مَوْتُ مُعَاوِيَةَ وَوِلَايَةُ يَزِيدَ، وَمَصِيرُ الْحُسَيْنِ إِلَى مَكَّةَ فِرَارًا مِنْ بَيْعَةِ يَزِيدَ - فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبْعٍ

الْهَمْدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَالٍ (١) ، مَعَهُمَا كِتَابٌ (٢) فِيهِ السَّلَامُ وَالتَّهْنِئَةُ بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ، فَقَدِمَا عَلَى الْحُسَيْنِ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ بَعَثُوا بعدها نفراً منهم قيس (٣) بن مسهر الضدائي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكوا الْأَرْحَبِيُّ (٤) ، وَعُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلُولِيُّ (٥) ، وَمَعَهُمْ نَحْوٌ مَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ (٦) كِتَابًا إِلَى الْحُسَيْنِ، ثم بعثوا هانئ بن السَّبِيعِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ وَمَعَهُمَا كِتَابٌ فِيهِ الِاسْتِعْجَالُ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِمْ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَحَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ، ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر (٧) بن


(١) في فتوح ابن الاعثم ٥ / ٤٨: عبد الله بن مسمع البكري.
(٢) في الطبري ٦ / ١٩٧ والكامل لابن الاثير ٤ / ٢٠: اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وكتبوا كتابا عن نفر منهم: سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وغيرهم (في الكامل: مطهر) ... أنظر الكتاب فيهما.
وفي فتوح ابن الاعثم ٥ / ٤٦ ومقتل الحسين لابي مخنف.
(٣) في الاخبار الطوال ص ٢٢٩: بشر بن مسهر الصيداوي.
(٤) في الاخبار الطوال: عبد الرحمن بن عبيد، وفي الطبري: عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الارحبي.
(٥) زاد ابن الاعثم: وعبد الله بن وال، وقد تقدم أنه كان أول الوافدين على الحسين ... (٦) في الطبري: ثلاثة وخمسين كتابا.
وفي الاخبار الطوال: نحو من خمسين كتابا.
(٧) في الطبري والكامل: عمير، وزادا اسما آخر: وعروة بن قيس (وفي الطبري: عزرة) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>