للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكر بن مهدي وكان ثقة.

روى الْخَطِيبُ أَنَّ وَالِدَ مُحَمَّدٍ هَذَا حِينَ وُلِدَ أَخَذَ طَالَعَ مَوْلِدِهِ الْمُنَجِّمُونَ فَحَسَبُوا عُمْرَهُ وَقَالُوا: إنه يعيش كذا وكذا.

فأرصد أبوه له جباً فكان يلقي فيه عن كل يوم من عمره الذي أخبروه به ديناراً، فلما امتلأ أرصد له جبار آخر كذلك، ثم آخر كذلك، فكان يضع فيها في كل يوم ثلاثة دنانير على عدد أيام عمر ولده.

ومع هذا ما أفاده ذلك شيئاً، بل افتقر هذا الولد حَتَّى صَارَ يَسْتَعْطِي مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ يَحْضُرُ مجلس السماع عليه عباءة بلا إزار، فكان يتصدق عليه أهل المجلس بشئ يقوم بأوده.

والسعيد من أسعده الله عز وجل.

محمد بن مخلد بن جعفر (١) أَبُو عُمَرَ (٢) الدُّورِيُّ الْعَطَّارُ، كَانَ يَسْكُنُ الدُّورَ - وَهِيَ مَحَلَّةٌ بِطَرَفِ بَغْدَادَ - سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ عَرَفَةَ وَالزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ وَمُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ وغيرهم، وعنه الدارقطني وجماعة، وَكَانَ ثِقَةً فَهِمًا وَاسِعَ

الرِّوَايَةِ مَشْكُورَ الدِّيَانَةِ مشهوراً بالعبادة.

توفي في جمادى الأولى (٣) منها، وقد استكمل سبعاً وسبعين سنة وثمانية أشهر وإحدى وعشرين ويوما.

الْمَجْنُونُ الْبَغْدَادِيُّ رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الشَّبْلِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مَجْنُونًا (٤) عِنْدَ جَامِعِ الرُّصَافَةِ وَهُوَ عُرْيَانٌ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا مَجْنُونُ اللَّهِ، أَنَا مَجْنُونُ اللَّهِ.

فَقُلْتُ لَهُ: مالك أَلَا تَسْتَتِرُ وَتَدْخُلُ الْجَامِعَ وَتُصَلِّي؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: يَقُولُونَ زُرْنَا وَاقْضِ وَاجِبَ حَقِّنَا * وَقَدْ أَسْقَطَتْ حَالِي حُقُوقَهُمْ عَنِّي إِذَا هُمْ رَأَوْا حَالِي وَلَمْ يَأْنَفُوا لَهَا * وَلَمْ يَأْنَفُوا مِنْهَا أَنِفْتُ لَهُمْ مِنِّي ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلثمائة فيها خرج المتقي أمير المؤمنين من بغداد إلى الموصل مغاضبا لتورون، وهو إِذْ ذَاكَ بِوَاسِطٍ، وَقَدْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَصَارَا يَدًا وَاحِدَةً على الخليفة.

وأرسل ابن شير زاد في ثلثمائة إِلَى بَغْدَادَ فَأَفْسَدَ فِيهَا وَقَطَعَ وَوَصَلَ، وَاسْتَقَلَّ بالأمر من غير مراجعة المتقي.

فغضب المتقي وخرج منها مغاضباً له بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ وَوَزِيرِهِ وَمَنِ اتَّبعه مِنَ الْأُمَرَاءِ، قاصداً الموصل إلى بَنِي حَمْدَانَ، فَتَلَقَّاهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى تَكْرِيتَ، ثُمَّ جَاءَهُ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ وَهُوَ بِتَكْرِيتَ أَيْضًا، وَحِينَ خَرَجَ الْمُتَّقِي مِنْ بَغْدَادَ أَكْثَرَ ابْنُ شيرزاد فيها الفساد، وظلم أهلها وصادرهم، وأرسل يعلم تورون، فَأَقْبَلَ مُسْرِعًا نَحْوَ تَكْرِيتَ فَتَوَاقَعَ هُوَ وَسَيْفُ الدَّوْلَةِ فَهَزَمَ تُوزُونُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ وَأَخَذَ مُعَسْكَرَهُ ومعسكر أخيه ناصر الدولة


(١) في تذكرة الحفاظ ٢ / ٨٢٨: حفص.
(٢) في التذكرة: أبو عبد الله.
(٣) في التذكرة وشذرات الذهب ٢ / ٣٣١: جمادى الآخرة.
وقال في الشذرات: وله سبع وتسعون سنة.
(٤) في صفوة الصفوة ٢ / ٥١٩: معتوها (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>