للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمن ومن لحق بمسلم بن قتيبة بالري فهو آمن، فلحق بمسلم خَلْقٌ كَثِيرٌ ممَّن كَانَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ فَأَمَّنَهُمُ الْحَجَّاجُ، وَمَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ شَرَعَ الْحَجَّاجُ فِي تَتَبُّعِهِمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا حتَّى كان آخر من قتل منهم سعيد بْنُ جُبَيْرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَكَانَ الشعبي من جملة من صار إلى مسلم بن قتيبة فذكره الحجاج يوماً فقيل له: إنه سار إلى مسلم بن قتيبة، فكتب إلى مسلم: أن ابعث لي بِالشَّعْبِيِّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَمَرُونِي أَنْ أَعْتَذِرَ إِلَيْكَ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَّا الْحَقَّ كائنا في ذلك ما كان، قد والله تمردنا عليك، وخرجنا وَجَهَدْنَا كُلَّ الْجَهْدِ فَمَا آلَوْنَا، فَمَا كُنَّا بِالْأَقْوِيَاءِ الْفَجَرَةِ، وَلَا بِالْأَتْقِيَاءِ الْبَرَرَةِ، وَلَقَدْ نَصَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَأَظْفَرَكَ بِنَا فَإِنْ سَطَوْتَ فَبِذُنُوبِنَا وَمَا جَرَّتْ إِلَيْكَ أَيْدِينَا، وَإِنْ عَفَوْتَ عَنَّا فبحلمك، وبعد، فلك الحجة عَلَيْنَا.

فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَنْتَ وَاللَّهِ يَا شَعْبِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَيْنَا يَقْطُرُ سَيْفُهُ مِنْ دِمَائِنَا ثُمَّ يَقُولُ: مَا فَعَلْتُ وَلَا شَهِدْتُ، قَدْ أَمِنْتَ عِنْدَنَا يَا شَعْبِيُّ.

قَالَ: فَانْصَرَفْتُ فَلَمَّا مَشَيْتُ قَلِيلًا قَالَ: هَلُمَّ يَا شَعْبِيُّ، قَالَ: فَوَجَلَ لِذَلِكَ قَلْبِي، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ قَدْ أَمِنْتَ يَا شَعْبِيُّ فَاطْمَأَنَّتْ نَفْسِي،

فَقَالَ: كَيْفَ وَجَدْتَ النَّاسَ بَعْدَنَا يَا شَعْبِيُّ؟ - قال: وكان لي مكرماً قبل الخروج عليه - فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، قَدِ اكْتَحَلْتُ بَعْدَكَ السهر، واستوعرت السهل، واستوخمت الجناب، واستجلست الْخَوْفَ، وَاسْتَحْلَيْتُ الْهَمَّ، وَفَقَدْتُ صَالِحَ الْإِخْوَانِ، وَلَمْ أَجِدْ مِنَ الْأَمِيرِ خَلَفًا.

قَالَ انْصَرِفْ يَا شعبي، فانصرفت.

ذكر ذلك ابن جرير وغيره.

ورواه أبو مخنف عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ مسألة في الفرائض وهي أم زوج وَأُخْتٌ وَمَا كَانَ يَقُولُهُ فِيهَا الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَوْلٌ فِيهَا، فَنَقَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّعْبِيُّ فِي ساعة فَاسْتَحْسَنَ قَوْلَ عَلِيٍّ وَحَكَمَ بِقَوْلِ عُثْمَانَ، وَأُطْلِقَ الشَّعْبِيُّ بِسَبَبِ ذَلِكَ (١) .

وَقِيلَ إِنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ خَمْسَةَ آلَافِ أَسِيرٍ مِمَّنْ سَيَّرَهُمْ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا فَجَعَلَ لَا يُبَايِعُ أَحَدًا من أهلها إلا قال: أشهد عَلَى نَفْسِكَ أَنَّكَ قَدْ كَفَرْتَ، فَإِذَا قَالَ نَعَمْ بَايَعَهُ، وَإِنْ أَبَى قَتَلَهُ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ، قَالَ فأُتي بِرَجُلٍ فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مَا أَظُنُّ هَذَا يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ - وَأَرَادَ الْحَجَّاجُ مُخَادَعَتَهُ - فَقَالَ: أَخَادِعِي أَنْتَ عَنْ نَفْسِي؟ أَنَا أَكْفَرُ أَهْلِ الْأَرْضِ وأكفر من فرعون وهامان ونمروذ.

قَالَ: فَضَحِكَ الْحَجَّاجُ وخلَّى سَبِيلَهُ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِخْنَفٍ: أَنَّ أَعْشَى هَمْدَانَ أُتي بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ - وَكَانَ قَدْ عمل


(١) انظر تفاصيل اللقاء بينهما وسؤال الحجاج له وجواب الشعبي عليه في مروج الذهب ٣ / ١٧٦ - ١٧٧.
والامامة والسياسة ٢ / ٤٨ وفيه أن اللقاء تم بعد شهرين من أسر الشعبي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>