للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق فَمَا رَحَلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ البخاري.

وقال مرجى بن رجاء: فضل البخاري على العلماء كفضل الرجال على النساء - يعني في زمانه - وأما قبل زمانه مثل قرب الصحابة والتابعين فلا.

وقال هو آية من آيات الله تمشي عَلَى الْأَرْضِ.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ أَفْقَهُنَا وَأَعْلَمُنَا وَأَغْوَصُنَا وَأَكْثَرُنَا طَلَبًا.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: هُوَ أَبْصَرُ مِنِّي.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ الْعِرَاقَ.

وَقَالَ عبد الله

الْعِجْلِيُّ: رَأَيْتَ أَبَا حَاتِمٍ وَأَبَا زُرْعَةَ يَجْلِسَانِ إليه يسمعان مَا يَقُولُ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمٌ يَبْلُغُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ بِكَذَا وكذا، وكان حيياً فاضلاً يحسن كل شئ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَسْأَلُ الْبُخَارِيَّ عَنِ الْأَسَامِي وَالْكُنَى وَالْعِلَلِ، وَهُوَ يَمُرُّ فِيهِ كَالسَّهْمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ الله أحد.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدُونَ الْقَصَّارُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ جَاءَ إِلَى الْبُخَارِيِّ فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيه وقال: دعني أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ، وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ فَذَكَرَ لَهُ عِلَّتَهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مُسْلِمٌ لَا يُبْغِضُكَ إِلَّا حَاسِدٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.

وَقَالَ الترمذي: لم أر بالعراق ولا في خراسان فِي مَعْنَى الْعِلَلِ وَالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ الْأَسَانِيدِ أَعْلَمَ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَكُنَّا يَوْمًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ فَقَالَ لِلْبُخَارِيِّ: جَعَلَكَ اللَّهُ زَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَاسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَدِيمِ السَّماء أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أحفظ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، وَلَوْ استقصينا ثناء العلماء عليه فِي حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وعبادته لَطَالَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ عَلَى عَجَلٍ مِنْ أَجْلِ الحوادث والله سبحانه الْمُسْتَعَانُ.

وَقَدْ كَانَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَايَةِ الْحَيَاءِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا دَارِ الْفَنَاءِ، وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ دَارِ البقاء.

وقال البخاري: إني لأرجو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُطَالِبُنِي أَنِّي اغْتَبْتُهُ.

فَذُكِرَ لَهُ التَّارِيخُ وَمَا ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: " إيذنوا لَهُ فَلَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ " (١) وَنَحْنُ إِنَّمَا رَوَيْنَا ذَلِكَ رِوَايَةً وَلَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا.

وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَلِّي فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ خَتْمَةً، وَكَانَتْ لَهُ جِدَةٌ وَمَالٌ جَيِّدٌ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وجهراً، وكان يكثر لصدقة بالليل والنهار، وَكَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ مُسَدَّدَ الرَّمْيَةِ شَرِيفَ النَّفْسِ، بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حيت يَسْمَعَ أَوْلَادُهُ عَلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: فِي بَيْتِهِ العلم والحلم يؤتى - يعني إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا إِلَيَّ - وَأَبَى أن يذهب إليهم.

والسلطان خَالِدُ بْنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ نَائِبُ الظَّاهِرِيَّةِ بِبُخَارَى، فَبَقِيَ فِي نَفْسِ الْأَمِيرِ مِنْ ذَلِكَ، فَاتَّفَقَ أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذُّهليّ بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق - وكان قد وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ الْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ وَصَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي ذلك كتاب أَفْعَالِ الْعِبَادِ - فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ

النَّاسَ عَنِ السماع من البخاري، وقد كان الناس يعظمنونه جِدًّا، وَحِينَ رَجَعَ إِلَيْهِمْ نَثَرُوا عَلَى رَأْسِهِ


(١) أخرجه البخاري في الادب باب (٣٨) و (٤٨) .
ومسلم في كتاب البر والصلة (٧٣) وأبو داود في الادب باب (٥) ومالك في الموطأ في حسن الخلق باب (٤) وأحمد في المسند ٦ / ٢٨، ٨٠، ١٥٨، ٢٧٣ (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>