وعشرين وستمائة; وكان ذكيا شجاعا مهيبا كما سيأتي ذكر سيرته عند وفاته. وفي سابع ذي القعدة من هذه السنة عزل صاحب المخزن ظهير الدين أبو بكر بن العطار، وأهين غاية الإهانة، هو وأصحابه وقتل خلق منهم، وشهر في البلد، وتمكن أمر الخليفة الناصر وعظمت هيبته في البلاد، وقام قائم الخلافة في جميع الأمور. ولما حضر عيد الأضحى أقيم على ما جرت به العادة والله أعلم.
[ثم دخلت سنة ست وسبعين وخمسمائة]
فيها هادن السلطان صلاح الدين الفرنج وسار إلى بلاد الروم فأصلح بين ملوكها، من بني أرتق وكر على بلاد الأرمن فأقام عليها وفتح بعض حصونها، وأخذ منها غنائم كثيرة جدا، من أواني الفضة والذهب، لان ملكها كان قد غدر بقوم من التركمان، فرده إلى بلاده ثم صالحه على مال يحمله إليه وأسارى يطلقهم من أسره، وآخرين يستنقذهم من أيدي الفرنج، ثم عاد مؤيدا منصورا فدخل حماه في أواخر جمادى الآخرة، وامتدحه الشعراء على ذلك، ومات صاحب الموصل سيف الدين غازي بن مودود، وكان شابا حسنا مليح الشكل تام القامة، مدور اللحية، مكث في الملك عشر سنين (١)، ومات عن ثلاثين سنة، وكان عفيفا في نفسه، مهيبا وقورا، لا يلتفت إذا ركب وإذا جلس، وكان غيروا لا يدع أحد من الخدم الكبار يدخل على النساء، وكان لا يقدم على سفك الدماء، وكان ينسب إلى شئ من البخل سامحه الله، توفي في ثالث صفر، وكان قد عزم على أن يجعل الملك من بعده لولده عز الدين سنجر شاه، فلم يوافقه الامراء خوفا من صلاح الدين لصغر سنه، فاتفقوا كلهم على أخيه فأجلس مكانه في المملكة، وكان يقال له عز الدين مسعود، وجعل مجاهد الدين قايماز نائبه ومدبر مملكته. وجاءت رسل الخليفة يلتمسون من صلاح الدين أن يبقي سروج والرها والرقة، وحران والخابور ونصيبين في يده كما كانت في يد أخيه، فامتنع السلطان من ذلك، وقال: هذه البلاد هي حفظ ثغور المسلمين، وإنما تركتها في يده ليساعدنا على غزو الفرنج، فلم يفعل ذلك، وكتب إلى الخليفة يعرفه أن المصلحة في ترك ذلك عونا للمسلمين.
[وفاة السلطان توران شاه]
فيها توفي السلطان الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب، أخي الملك صلاح الدين، وهو الذي افتتح بلاد اليمن عن أمر أخيه، فمكث فيها حينا واقتنى منها أموالا جزيلة، ثم استناب فيها وأقبل إلى الشام شوقا إلى أخيه، وقد كتب إليه في أثناء الطريق شعرا عمله له بعض الشعراء، يقال له ابن المنجم، وكانوا قد وصلوا إلى سما:
(١) زاد ابن الأثير في تاريخه: وثلاثة أشهر (انظر تاريخ أبي الفداء ٣/ ٦٢).