النجاري، كان شافعيا تفقه على أبي الحسن بن الخل وغيره، وقد ولي القضاء والخطابة بمكة، وأصله منها، ولكن ارتحل إلى بغداد فنال منها ما نال من الدنيا، وآل به الامر إلى ما آل، ثم إنه عزل عن القضاء بسبب محضر رقم خطه عليه، وكان فيما قيل مزورا عليه. فالله أعلم، فجلس في منزله حتى مات.
[الشيخ جمال الدين أبو القاسم]
يحيى بن علي بن الفضل بن بركة بن فضلان، شيخ الشافعية ببغداد، تفقه أولا على سعيد بن محمد الزار مدرس النظامية، ثم ارتحل إلى خراسان فأخذ عن الشيخ محمد الزبيدي تلميذ الغزالي وعد إلى بغداد وقد اقتبس علم المناظرة والأصلين، وساد أهل بغداد وانتفع به الطلبة والفقهاء، وبنيت له مدرسة فدرس بها وبعد صيته، وكثرت تلاميذه، وكان كثير التلاوة وسماع الحديث، وكان شيخا حسنا لطيفا ظريفا، ومن شعره:
وإذا أردت منازل الاشراف … فعليك بالاسعاف والانصاف
وإذا بغا باغ عليك فخله … والدهر فهو له مكاف كاف
[ثم دخلت سنة ست وتسعين وخمسمائة]
استهلت هذه السنة والملك الأفضل بالجيش المصري محاصر دمشق لعمه العادل، وقد قطع عنها الأنهار والميرة، فلا خبز ولا ماء إلا قليلا، وقد تطاول الخال، وقد خندقوا من أرض اللوان إلى اللد خندقا لئلا يصل إليهم جيش دمشق، وجاء فصل الشتاء وكثرت الأمطار والأوحال. فلما دخل شهر صفر قدم الملك الكامل محمد بن العادل على أبيه بخلق من التركمان، وعساكر من بلاد الجزيرة والرها وحران، فعند ذلك انصرف العساكر المصرية، وتفرقوا أيادي سبا، فرجع الظاهر إلى حلب والأسد إلى حمص، والأفضل إلى مصر، وسلم العادل من كيد الأعادي، بعدما كان قد عزم على تسليم البلد. وسارت الامراء الناصرية خلف الأفضل ليمنعوه من الدخول إلى القاهرة، وكاتبوا العادل أن يسرع السير إليهم، فنهض إليهم سريعا فدخل الأفضل مصر وتحصن بقلعة الجبل، وقد اعتراه الضعف والفشل، ونزل العادل على البركة وأخذ ملك مصر ونزل إليه ابن أخيه الأفضل خاضعا ذليلا، فأقطعه بلادا من الجزيرة (١)، ونفاه من الشام لسوء السيرة، ودخل العادل القلعة وأعاد القضاء إلى صدر الدين عبد الملك بن درباس المارداني الكردي، وأبقى
(١) أقطعه ميافارقين وجاني وجبل جور، وخرج الأفضل من مصر ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر (انظر ابن الأثير) وقال أبو الفداء في تاريخه أن العادل لم يف لابن أخيه الأفضل بوعده فيما أقطعه (انظر ابن خلدون ٥/ ٣٣٧ وابن الأثير ١٢/ ١٥٦).