الذي توفي في سنة ثنتين - وقيل خمس وقيل ست - وخمسين وثلاثمائة لا ﵀.
كان هذا الملعون من أغلظ الملوك قلبا، وأشدهم كفرا، وأقواهم بأسا، وأحدهم شوكة، وأكثرهم قتلا وقتالا للمسلمين في زمانه، استحوذ في أيامه لعنه الله على كثير من السواحل، وأكثرها انتزعها من أيدي المسلمين قسرا، واستمرت في يده قهرا، وأضيفت إلى مملكة الروم قدرا. وذلك لتقصير أهل ذلك الزمان، وظهور البدع الشنيعة فيهم وكثرة العصيان من الخاص والعام منهم، وفشوا البدع فيهم، وكثرة الرفض والتشيع منهم، وقهر أهل السنة بينهم، فلهذا أديل عليهم أعداء الاسلام، فانتزعوا ما بأيديهم من البلاد مع الخوف الشديد ونكد العيش والفرار من بلاد إلى بلاد، فلا يبيتون ليلة إلا في خوف من قوارع الأعداء وطوارق الشرور المترادفة، فالله المستقان. وقد ورد حلب في مائتي ألف مقاتل بغتة في سنة إحدى وخمسين، وجال فيها جولة. ففر من بين يديه صاحبها سيف الدولة ففتحها اللعين عنوة، وقتل من أهلها من الرجال والنساء ما لا يعلمه إلا الله. وخرب دار سيف الدولة التي كانت ظاهر حلب، وأخذ أموالها وحواصلها وعددها وبدد شملها، وفرق عددها، واستفحل أمر الملعون بها فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبالغ في الاجتهاد في قتال الاسلام وأهله، وجد في التشمير، فالحكم لله العلي الكبير. وقد كان لعنه الله لا يدخل في بلد إلا قتل المقاتلة وبقية الرجال، وسبى النساء والأطفال، وجعل جامعها اصطبلا لخيوله، وكسر منبرها، واستنكث مأذنتها بخيله ورجله وطبوله. ولم يزل ذلك دأبه وديدنه حتى سلط الله عليه زوجته فقتلته بجواريها في وسط مسكنه. وأراح الله منه الاسلام وأهله، وأزاح عنهم قيام ذلك الغمام ومزق شمله، فلله النعمة والافضال، وله الحمد على كل حال. واتفق في سنة وفاته موت صاحب القسطنطينية. فتكاملت المسرات وخلصت الأمنية، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتذهب السيئات، وبرحمته تغفر الزلات.
والمقصود أن هذا اللعين - أعني النقفور الملقب بالدمستق ملك الأرمن كان قد أرسل قصيدة إلى الخليفة المطيع لله، نظمها له بعض كتابه ممن كان قد خذله الله وأذله، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، وصرفه عن الاسلام وأصله. يفتخر فيها بهذا اللعين، ويتعرض لسب الاسلام والمسلمين، ويتوعد فيها أهل حوزة الاسلام بأنه سيملكها كلها حتى الحرمين الشريفين، عما قريب من الأعوام، وهو أقل وأذل وأخس وأضل من الانعام، ويزعم أنه ينتصر لدين المسيح ﵇ ابن البتول. وربما يعرض فيها بجناب الرسول عليه من ربه التحية والاكرام، ودوام الصلاة مدى الأيام. ولم يبلغني عن أحد من أهل ذلك العصر أنه رد عليه جوابه، إما لأنها لم تشتهر، وإما لأنه أقل من أن يردوا خطابه لأنه كالمعاند الجاحد. ونفس نظمها تدل على أنه شيطان مارد وقد انتخى للجواب عنها بعد ذلك أبو محمد بن حزم الظاهري: فأفاد وأجاد، وأجاب عن كل فصل باطل بالصواب والسداد، فبل الله بالرحمة ثراه. وجعل الجنة منقلبه ومثواه.