للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[له] : يا ابن الدَّغِنَةِ إِنَّكَ لَمْ تُجِرْ هَذَا الرَّجُلَ لِيُؤْذِيَنَا، إِنَّهُ رَجُلٌ إِذَا صَلَّى وَقَرَأَ مَا جَاءَ به محمد يرق [ويبكي] وكانت له هيئة، ونحن نَتَخَوَّفُ.

عَلَى صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا وَضُعَفَائِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ، فَأْتِهِ فَمُرْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ.

قَالَتْ: فَمَشَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَيْهِ فقال [له] : يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي لَمْ أُجِرْكَ لِتُؤْذِيَ قَوْمَكَ.

وَقَدْ كَرِهُوا مَكَانَكَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، وَتَأَذَّوْا بِذَلِكَ مِنْكَ، فَادْخُلْ بَيْتَكَ فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ.

قَالَ: أَوْ أَرُدُّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ.

قَالَ فَارْدُدْ عَلَيَّ جِوَارِي.

قَالَ: قَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْكَ.

قَالَتْ: فَقَامَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَدْ رَدَّ عَلَيَّ جِوَارِي فَشَأْنُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (١) هَذَا الْحَدِيثَ مُتَفَرِّدًا بِهِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ.

فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (٢) فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: لم أعقل أبواي قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بِكُرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ (٣) ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي.

فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ (٤) ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نوائب الحق.

وأنا لك جار فارجع، فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ.

فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ (٥) ، وَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ:

إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، ويعين على نوائب الحق؟ فلم يكذب قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ويصلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نساءنا وأبناءنا.

فقال ابن الدغنة ذلك لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ.

ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره [وبرز] (٦) وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، [فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ] (٧) نساء المشركين وأبناؤهم


(١) في ٦٣ كتاب مناقب الانصار (٤٥) باب هجرة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة فتح الباري ٧ / ٢٣٠ - ٢٣١، وأخرج جزءا من أول هذا الحديث في كتاب الصلاة، وفي كتاب الاجارة.
(٢) من البخاري، وفي الاصل ابن هشام وهو تحريف.
(٣) برك الغماد: موضع بناحية اليمن، مما يلي ساحل البحر، وقال ابن فارس: بضم الغين، وقيل برك الغماد: موضع في أقاصي هجر.
(٤) تحمل الكل: هو ما يثقل حمله من القيام بالعيال ونحوه مما لا يقوم بأمر نفسه.
(٥) في دلائل البيهقي: فارتحل ابن الدغنة مع أبي بكر رضي الله عنه.
(٦) سقطت من الاصل وصحيح البخاري، واستدركت من دلائل البيهقي.
(٧) من البخاري، وفي الاصل فكان نساء المشركين، يتقذف أي يتدافعون فيتساقطون، ورواية المواهب: " فيتقصف " أي يزدحم.
وما ورد في الحديث - بين معكوفين زيادة من البخاري ودلائل النبوة للبيهقي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>