للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مغطيا يديك؟ قال قيل لي لن يصلح منك ما أفسدت. قال فقصها الطفيل على رسول الله فقال رسول الله : " اللهم وليديه فاغفر " رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن سليمان بن حرب به (١). فإن قيل فما الجمع بين هذا الحديث وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق الحسن عن جندب قال قال رسول الله : " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، فقال الله ﷿ عبدي بادرني بنفسه فحرمت عليه الجنة ". فالجواب من وجوه، أحدها: أنه قد يكون ذاك مشركا وهذا مؤمن، ويكون قد جعل هذا الصنيع سببا مستقلا في دخوله النار وإن كان شركه مستقلا إلا أنه نبه على هذا لتعتبر أمته: الثاني: قد يكون هذاك عالما بالتحريم وهذا غير عالم لحداثة عهده بالاسلام. الثالث: قد يكون ذاك فعله مستحلا له وهذا لم يكن مستحلا بل مخطئا. الرابع: قد يكون أراد ذاك بصنيعه المذكور أن يقتل نفسه بخلاف هذا فإنه يجوز أنه لم يقصد قتل نفسه وإنما أراد غير ذلك. الخامس: قد يكون هذاك قليل الحسنات فلم تقاوم كبر ذنبه المذكور فدخل النار، وهذا قد يكون كثير الحسنات فقاومت الذنب فلم يلج النار بل غفر له بالهجرة إلى نبيه . ولكن بقي الشين في يده فقط وحسنت هيئة سائره فغطى الشين منه فلما رآه الطفيل بن عمرو مغطيا يديه قال له مالك؟ قال: قيل لي لن يصلح منك ما أفسدت فلما قصها الطفيل على رسول الله دعا له فقال: " اللهم وليديه فاغفر " أي فأصلح منها ما كان فاسدا. والمحقق أن الله استجاب لرسول الله في صاحب الطفيل بن عمرو.

[قصة أعشى بن قيس]

قال ابن هشام: حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من (٢) أهل العلم أن أعشى بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل خرج إلى رسول الله يريد الاسلام، فقال يمدح النبي :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا … وبت كما بات السليم مسهدا

وما ذاك من عشق النساء وإنما … تناسيت قبل اليوم خلة مهددا (٣)

ولكن أرى الدهر الذي هو خائن … إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا

كهولا وشبانا فقدت وثروة … فلله هذا الدهر كيف ترددا

وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع … وليدا وكهلا حين شبت وأمردا


(١) صحيح مسلم (١) كتاب الايمان (٤٩) باب حديث ١٨٤.
(٢) من ابن هشام، وفي الأصل: عن.
(٣) كذا في الأصل خلة وفي ابن هشام " صحبة " ومهدد: اسم امرأة.

<<  <  ج: ص:  >  >>