للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ مَوْلِدُهُ في سنة سبع وأربعين ومائتين، رأى الذُّهْلِيَّ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَحَلَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى أَصْبَهَانَ وَمَكَّةَ وَمِصْرَ وَالشَّامَ وَالْجَزِيرَةِ وَبَغْدَادَ وغيرها من البلاد، فسمع الكثير بها عَنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَدْ صَارَ مُحَدِّثًا كبيراً، ثم طرأ عليه الصمم فاستحكم حَتَّى كَانَ لَا يَسْمَعُ نَهِيقَ الْحِمَارِ، وَكَانَ مؤذناً في مسجده ثلاثين سَنَةً، وَحَدَّثَ سِتًّا وَسَبْعِينَ سَنَةً، فَأَلْحَقَ الْأَحْفَادَ بِالْأَجْدَادِ وَكَانَ ثِقَةً صَادِقًا ضَابِطًا لِمَا سَمِعَهُ ويسمعه، كُفَّ بَصَرُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَسَبْعِ حِكَايَاتٍ وَمَاتَ وَقَدْ بَقِيَ لَهُ سَنَةٌ مِنَ الْمِائَةِ.

ثم دخلت سنة سبع وأربعين وثلثمائة فِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ بِبَغْدَادَ فِي شَهْرِ نِيسَانَ وفي غيرها ممن الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ فَمَاتَ بِسَبَبِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَخَرِبَتْ دَوْرٌ كَثِيرَةٌ، وَظَهَرَ فِي آخِرِ نِيسَانَ وَشَهْرِ أَيَّارَ جَرَادٌ كَثِيرٌ أَتْلَفَ الْغَلَّاتِ الصَّيْفِيَّةَ وَالثِّمَارَ.

ودخلت الروم آمد، وميّا فارقين، فقتلوا ألفاً وخمسمائة إنسان، وأخذوا مدينة سمساط وأخربوها.

وَفِي الْمُحَرَّمِ (٢) مِنْهَا رَكِبَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى الْمَوْصِلِ فَأَخَذَهَا مِنْ يَدِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَهَرَبَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ إِلَى نَصِيبِينَ، ثُمَّ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، فلحقه معز الدولة فصار إلى حلب عند أخيه سيف الدولة، ثم أرسل سيف الدولة إلى مُعِزَّ الدَّوْلَةِ فِي الْمُصَالَحَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ، فوقع الصلح على أن يحمل ناصر الدولة في كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَرَجَعَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ انْعِقَادِ الصُّلْحِ، وقد امتلأت البلاد رفضاً وسبّاً للصحابة من بني بويه وبني حمدان والفاطميين، وكل ملوك البلاد مصراً وشاماً وعراقاً وخراسان وغير ذلك من البلاد، كانوا رفضاً، وكذلك الحجاز وغيره، وغالب بلاد المغرب، فكثر السب والتكفير منهم للصحابة.

وَفِيهَا بَعَثَ الْمُعِزُّ الْفَاطِمِيُّ مَوْلَاهُ أَبَا الْحَسَنِ جوهر القائد في جيوش معه وَمَعَهُ زِيرِي بْنُ مَنَادٍ الصَّنْهَاجِيُّ فَفَتَحُوا بِلَادًا كثيرة من أقصى بلاد الْمَغْرِبِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْبَحْرِ الْمُحِيطِ، فَأَمَرَ جَوْهَرُ بِأَنْ يُصْطَادَ لَهُ مِنْهُ سَمَكٌ، فَأَرْسَلَ بِهِ فِي قِلَالِ الْمَاءِ إِلَى الْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ، وحظي عنده جوهر وعظم شأنه

حتى صار بمنزلة الوزير.

وممن توفي فيها من الأعيان:


(١) في الاصل بأربع والصواب ما أثبتناه.
(٢) كان ذلك في منتصف جمادى الأولى سنة ٣٤٧، ووقع الصلح بينهما في المحرم سنة ٣٤٨ هـ.
(الكامل ٨ / ٥٢٢ - ٥٢٣ والعبر ٣ / ٤٢٤) (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>