للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ مُصْعَبًا لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا ابْنُ أَخِيكَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبير، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، أَنْتَ الْقَاتِلُ سَبْعَةَ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ عِشْ مَا اسْتَطَعْتَ، فَقَالَ له مُصْعَبٌ: إِنَّهُمْ كَانُوا كَفَرَةً سَحَرَةً، فَقَالَ ابْنُ عمر: والله لو قتلت عدلهم غَنَمًا مِنْ تُرَاثِ أَبِيكَ لَكَانَ ذَلِكَ سَرَفًا.

وهذه ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي

هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عفرة بن عميرة بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ الثَّقَفِيُّ، أَسْلَمَ أَبُوهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يَرَهُ، فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بَعْثَهُ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فِي قِتَالِ الْفُرْسِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا وَقُتِلَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَعُرِفَ ذَلِكَ الْجِسْرُ بِهِ، وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى دِجْلَةَ فَيُقَالُ لَهُ إِلَى الْيَوْمِ جِسْرُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَانَتْ مِنَ الصَّالحات الْعَابِدَاتِ.

وَهِيَ زَوْجَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَهَا مُكْرِمًا وَمُحِبًّا، وَمَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ، وَأَمَّا أَخُوهَا الْمُخْتَارُ هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلًا نَاصِبِيًّا يُبْغِضُ عَلِيًّا بُغْضًا شَدِيدًا، وَكَانَ عِنْدَ عمه في المدائن، وَكَانَ عَمُّهُ نَائِبَهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا الْحَسَنُ بْنُ علي خَذَلَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ لقتال معاوية بعد مقتل أبيه، فَلَمَّا أَحَسَّ الْحَسَنُ مِنْهُمْ بِالْغَدْرِ فرَّ مِنْهُمْ إِلَى الْمَدَائِنِ فِي جَيْشٍ قَلِيلٍ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ لِعَمِّهِ: لَوْ أَخَذْتَ الْحَسَنَ فَبَعَثْتَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ لاتخذت عنده الْيَدَ الْبَيْضَاءَ أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: بِئْسَ ما تأمرني به يا بن أَخِي، فَمَا زَالَتِ الشِّيعَةُ تُبْغِضُهُ حَتَّى كَانَ من أمر مسلم بن عقيل بن أبي طالب مَا كَانَ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ مِنَ الْأُمَرَاءِ بِالْكُوفَةِ، فَجَعَلَ

يَقُولُ: أَمَا لَأَنْصُرَنَّهُ، فَبَلَغَ ابْنَ زِيَادٍ ذلك فحبسه بعد ضَرَبَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى يزيد بن معاوية يتشفع فِيهِ، فَأَرْسَلَ يَزِيدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فَأَطْلَقَهُ وسيره إلى الحجاز في عباءة، فصار إِلَى ابْنِ الزُّبير بِمَكَّةَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حِينَ حَصَرَهُ أَهْلُ الشَّامِ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ بَلَغَ المختار ما قال أَهْلُ الْعِرَاقِ فِيهِ مِنَ التَّخْبِيطِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَتَرَكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ نَائِبِ الْكُوفَةِ فَفَعَلَ، فَسَارَ إِلَيْهَا، وَكَانَ يُظْهِرُ مَدْحَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْعَلَانِيَةِ وَيَسُبُّهُ في السر، ويمدح محمد بن الْحَنَفِيَّةِ وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَمَا زَالَ حَتَّى اسْتَحْوَذَ عَلَى الْكُوفَةِ بِطَرِيقِ التَّشَيُّعِ وَإِظْهَارِ الْأَخْذِ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ، وَبِسَبَبِ ذَلِكَ الْتَفَّتْ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ من الشيعة وَأَخْرَجَ عَامِلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْهَا، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُ الْمُخْتَارِ بِهَا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ مُطِيعٍ كَانَ مُدَاهِنًا لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدْ خَرَجَ مَنَ الْكُوفَةِ، وَأَنَا وَمَنْ بِهَا فِي طَاعَتِكَ، فَصَدَّقَهُ ابْنُ الزبير لأنه كان يدعو إليه على المنبر يوم الجمعة على رؤوس النَّاسِ، وَيُظْهِرُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَتَبُّعِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ وَمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِكَرْبَلَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ ابْنِ زِيَادٍ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وظفر برؤوس كبار منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>