يده، فقال له شريح: إني لا أرى ذلك، فإنه إن لم يكن في الاجل فسحة لقيت الله أجذم قد قطعت يدك خوفا من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيعير ولدك بذلك. فصرفه عن ذلك، فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس: وقالوا: هلا تركته فقطع يده؟! فقال: قال رسول الله ﷺ: " المستشار مؤتمن ". ويقال إن زيادا جعل يقول: أأنام أنا والطاعون في فراش واحد؟ فعزم على قطع يده، فلما جئ بالمكاوي والحديد خاف من ذلك فترك ذلك، وذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبا ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم والامر المحموم، فمات في ثالث شهر رمضان في هذه السنة، وقد قام في إمرة العراق خمس سنين. ودفن بالثوية خارج الكوفة، وقد كان برز منها قاصدا إلى الحجاز أميرا عليها، فلما بلغ خبر موته عبد الله بن عمر قال: اذهب إليك يا بن سمية، فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت. قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني أبي عن هشام بن محمد حدثني يحيى بن ثعلبة أبو المقدم الأنصاري عن أمه عن عائشة عن أبيها عبد الرحمن بن السائب الأنصاري. قال: جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرض عليهم البراءة من علي بن أبي طالب، قال عبد الرحمن: فإني لمع نفر من أصحابي من الأنصار، والناس في أمر عظيم من ذلك وفي حصر، قال: فهومت تهويمة - أي نعست نعسة - فرأيت شيئا أقبل طويل العنق، له عنق مثل عنق البعير، أهدب أهدل فقلت: ما أنت؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة، بعثت إلى صاحب هذا القصر، فاستيقظت فزعا فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا! فأخبرتهم، وخرج علينا خارج من القصر فقال: إن الأمير يقول لكم: انصرفوا عني: فإني عنكم مشغول. وإذا الطاعون قد أصابه. وروى ابن أبي الدنيا أن زيادا لما ولي الكوفة سأل عن أعبدها فدل على رجل يقال له أبو المغيرة الحميري، فجاء به فقال له: الزم بيتك ولا تخرج منه وأنا أعطيك من المال ما شئت، فقال: لو أعطيتني ملك الأرض ما تركت خروجي لصلاة الجماعة. فقال الزم الجماعة ولا تتكلم بشئ. فقال: لا أستطيع ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأمر به فضربت عنقه. ولما احتضر قال له ابنه: يا أبة قد هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فيها، فقال يا بني قد دنا من أبيك أمر إما لباس خير من لباسه وإما سلب سريع. وهذا غريب جدا.
[صعصعة بن ناجية]
ابن عفان (١) بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، كان سيدا في الجاهلية وفي الاسلام، يقال إنه أحيى في الجاهلية ثلاثمائة وستين موءودة، وقيل أربعمائة، وقيل ستا وتسعين موءودة، فلما
(١) في الإصابة ٢/ ١٨٦ والاستيعاب على هامش الإصابة ٢/ ١٩٤: عقال.