ثم إن روحا بكى طويلا وأمر بتلك الأطعمة فرفعت، وقال: انظروا هل تجدون لها آكلا من هذه الاعراب أو الرعاة؟ ثم سار من ذلك المكان وقد أخذ الراعي بمجامع قلبه وصغرت إليه نفسه والله ﷾ أعلم.
[ثم دخلت سنة خمس وثمانين]
فيها كما ذكر ابن جرير: كان مقتل عبد الرحمن بن الأشعث فالله أعلم، وفيها عزل الحجاج عن إمرة خراسان يزيد بن المهلب وولى عليها أخاه المفضل بن المهلب، وكان سبب ذلك أن الحجاج وفد مرة على عبد الملك فلما انصرف مر بدير فقيل له: إن فيه شيخا كبيرا من أهل الكتاب عالما، فدعي فقال: يا شيخ هل تجدون في كتبكم ما أنتم فيه وما نحن فيه؟ قال: نعم. قال له فما تجدون صفة أمير المؤمنين؟ قال: نجده ملكا أقرع، من يقم في سبيله يصرع، قال: ثم من؟ قال: ثم رجل يقال له الوليد، قال: ثم ماذا؟ قال ثم رجل اسمه اسم نبي يفتح به على الناس، قال: فتعرفني له قال: قد أخبرت بك. قال: أفتعرف مالي؟ قال: نعم! قال: فمن يلي العراق بعدي؟ قال رجل يقال له يزيد، قال أفي حياتي أو بعد موتي؟ قال لا أدري، قال: أفتعرف صفته؟ قال يغدر غدرة لا أعرف غيرها قال: فوقع في نفس الحجاج أنه يزيد بن المهلب، وسار سبعا وهو وجل من كلام الشيخ، ثم بعث إلى عبد الملك يستعفيه من ولاية العراق ليعلم مكانته عنده؟ فجاء الكتاب بالتقريع والتأنيب والتوبيخ والامر بالثبات والاستمرار على ما هو عليه. ثم إن الحجاج جلس يوما مفكرا واستدعى بعبيد بن موهب فدخل عليه وهو ينكت في الأرض فرفع رأسه إليه فقال: ويحك يا عبيد، إن أهل الكتاب يذكرون أن ما تحت يدي سيليه رجل يقال له يزيد، وقد تذكرت يزيد بن أبي كبشة ويزيد بن حصين بن نمير ويزيد بن دينار وليسوا هناك، وما هو إلا يزيد بن المهلب. فقال عبيد: لقد شرفهم وعظمت ولايتهم وإن لهم لقدرا وجلدا وحظا فأخلق به. فأجمع رأي الحجاج على عزل يزيد بن المهلب، فكتب إلى عبد الملك يذمه ويخوفه غدره ويخبره بما أخبره به ذلك الشيخ الكتابي، فجاء البريد بكتاب فيه قد أكثرت في شأن يزيد فسم رجلا يصلح لخراسان، فوقع اختيار الحجاج على المفضل بن المهلب فولاه قليلا تسعة أشهر (١)، فغزا بلاد عبس وغيرها وغنم
(١) في ابن الأعثم ٧/ ١٩٩ أحب الحجاج أن يعزل يزيد عن خراسان (ويذل آل المهلب) فتزوج لأخت يزيد، وأمر يزيد أن ينصرف إلى ما قبله وهو يعتل بحروب خراسان، فولى أخاه المفضل الري ليكون خليفة ليزيد إلى أن ينصرف إليها (يزيد) وفي كتابه إليه امره أن يسلم العمل إلى المفضل وأن يقدم إليه. فشاور يزيد حضين بن المنذر الربعي (وفي ابن الأثير: الرقاشي) فأشار عليه بعدم المصير إلى الحجاج وخوفه منه. فقال يزيد: نحن أهل بيت قد بورك لنا في الطاعة وأنا أكره الخلاف … فتجهز وخرج من خراسان، فقدم المفضل إلى خراسان. وبلغ الحجاج ذلك فدعا قتيبة بن مسلم فعقد له عقدا وضم إليه جيشا وولاه خراسان (وانظر ابن الأثير ٤/ ٥٠٣ - ٥٠٤). والطبري ٨/ ٤٣.