وبيدمر ومنجك واستدمر فِي تَحْصِينِ الْقَلْعَةِ وَتَحْصِيلِ الْعُدَدِ وَالْأَقْوَاتِ فِيهَا، والله غالب على أمره أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بروج مشيدة الستائر تُعْمَلُ فَوْقَ الْأَبْرَجَةِ، وَصَلَّى الْأَمِيرُ بَيْدَمُرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشَرَ الشَّهْرِ فِي الشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ، في مشهد عثمان، وصلّى عند مَنْجَكُ إِلَى جَانِبِهِ دَاخِلَ مَوْضِعِ الْقُضَاةِ، وَلَيْسَ هناك أحد من الحجبة ولا النُّقَبَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ أَحَدٌ مِنَ الْمُبَاشِرِينَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا مِنَ الْجُنْدِ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ سَافَرُوا إِلَى نَاحِيَةِ السُّلْطَانِ، وَالْمُبَاشِرُونَ إِلَى نَاحِيَةِ حَمَاةَ لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ نَائِبِ الشَّامِ الْمَحْرُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَلْعَةِ وَلَمْ يَحْضُرِ الصلاة استدمر، لأنه قيل كان منقطعاً أو قَدْ صَلَّى فِي الْقَلْعَةِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ وَصَلَ الْبَرِيدُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ أَبْنَاءِ الرَّسُولِ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ يستعلم طاعته أو مخالفته، وبعث عليه فيما اعتمده من استحوذ على القلعة ويخطب فيها، وادخار الآلات والأطعمات فيها، وعدم الْمَجَانِيقِ وَالسَّتَائِرِ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ تَصَرَّفَ فِي الْأَمْوَالِ السلطانية تصرف الملك وَالْمُلُوكِ، فَتَنَصَّلَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْصَدَ فِي الْقَلْعَةِ جَنَادِتَهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا، وَأَنَّ أَبْوَابَهَا مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ قَلْعَةُ السُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا لَهُ غَرِيمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الشَّرْعُ وَالْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ - يَعْنِي بِذَلِكَ يَلْبُغَا - وَكَتَبَ بِالْجَوَابِ وأرسله صحبة البريدي وهو كتكلدي مملوك بقطبة الدويدار، وَأَرْسَلَ فِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرَ صَارِمَ الدِّينِ أَحَدَ أمراء العشرات من يوم ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ تُصْبِحُ أَبْوَابُ الْبَلَدِ مُغْلَقَةً إِلَى قُرَيْبِ الظهر، وليس ثم مفتوح سوى باب النَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَالنَّاسُ فِي حَصْرٍ شَدِيدٍ وَانْزِعَاجٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَلَكِنْ قَدِ اقْتَرَبَ وُصُولُ السُّلْطَانِ وَالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ.
وَفِي صَبِيحَةِ الْأَرْبِعَاءِ أَصْبَحَ الْحَالُ كَمَا كَانَ وَأَزِيدَ، وَنَزَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ بِقُبَّةِ يَلْبُغَا، وَامْتَدَّ طُلْبُهُ مِنْ سَيْفِ دَارَيًا إِلَى الْقُبَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَتَأَخَّرَ الركاب الشريف بتأخره عن الصميين بَعْدُ، وَدَخَلَ بَيْدَمُرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى الْقَلْعَةِ وَتَحَصَّنَ بِهَا.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ اسْتَمَرَّتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا مُغَلَّقَةً سِوَى باب النَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَضَاقَ النِّطَاقُ وَانْحَصَرَ النَّاسُ جِدًّا، وقطع المصريون نهر بانياس وَالْفَرْعَ الدَّاخِلَ إِلَيْهَا وَإِلَى دَارِ السَّعَادَةِ مِنَ الْقَنَوَاتِ،
وَاحْتَاجُوا لِذَلِكَ أَنْ يَقْطَعُوا الْقَنَوَاتِ لِيَسُدُّوا الفرع المذكور، فانزعج أهل البلد لذلك وملاءوا ما في بيوتهم من برك المدارس، وَبِيعَتِ الْقِرْبَةُ بِدِرْهَمٍ، وَالْحُقُّ بِنِصْفٍ، ثُمَّ أُرْسِلَتِ الْقَنَوَاتُ وَقْتَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمَئِذٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَانْشَرَحَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَأَصْبَحَ الصَّبَاحُ يَوْمَ الجمعة والأبواب مغلقة ولم يفتح باب النصر والفرج إلى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِزَمَانٍ، فَأَرْسَلَ يَلْبُغَا مِنْ جِهَتِهِ أَرْبَعَةَ أُمَرَاءَ وَهُمُ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الْقَلْعَةِ، وَالْمَلِكُ صَلَاحُ الدين بن كامل، وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الرَّحْبَةِ مِنْ جِهَةِ بَيْدَمُرَ، وَأَمِيرٌ آخَرُ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ وَكَسَرُوا أَقْفَالَ أَبْوَابِ الْبَلَدِ، وَفَتَحُوا الْأَبْوَابَ، فَلَمَّا رَأَى بيدمر ذلك أرسل مفاتيح البلد إليهم انتهى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute