الناس كلاماً على الحديث، أثنى عليه عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ثُمَّ مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثم الدارقطني.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ فِيهَا كَانَتِ الْمُفَادَاةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ والرُّوم، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنِ اسْتُنْقِذَ مِنْ أَيْدِي الرُّومِ مِنْ نساء ورجال نحواً من ثلاثة آلاف نسمة، وَفِي الْمُنْتَصَفِ مِنْ صِفْرٍ مِنْهَا كَانَتْ وَفَاةُ إسماعيل بن أحمد الساماني أمير خراسان وما وراء النهر، وَقَدْ كَانَ عَاقِلًا عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ فِي رعيته حليماً كريماً.
وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُحْسِنُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرً الْمَرْوَزِيِّ وَيُعَظِّمُهُ وَيُكْرِمُهُ وَيَحْتَرِمُهُ وَيَقُومُ لَهُ في مجلس ملكه، فلما مات تولى بَعْدَهُ وَلَدُهُ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ الساماني وبعث إليه الخليفة تشريفة.
وقد ذكر النَّاس يوماً عند إسماعيل بن أحمد هذا الفخر بالأنساب فقال: إنما الفخر بالأعمال وينبغي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عِصَامِيًّا لَا عِظَامِيًّا - أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَخِرَ بِنَفْسِهِ لَا بِنَسَبِهِ وَبَلَدِهِ وجده - كما قال بعضهم: * وبحدي سموت لا بجدودي * وقال آخر: حسبي فخار وَشِيمَتِي أَدَبِي * وَلَسْتُ مِنْ هَاشِمٍ وَلَا الْعَرَبِ إنّ الفتى من يقولُ ها أنا ذا * وليس الْفَتَى مَنْ يقولُ كانَ أَبِي
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا كَانَتْ:
وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الْمُكْتَفِي بِاللَّهِ أبو محمد بن المعتضد
وهذه ترجمته وذكر وفاته
وهو أمير المؤمنين المكتفي بِاللَّهِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ بْنِ الْأَمِيرِ أَبِي أَحْمَدَ الموفق بن المتوكل على اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخُلَفَاءِ مَنِ اسْمُهُ عَلِيٌّ سِوَاهُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب، وليس مِنَ الْخُلَفَاءِ مَنْ يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ سِوَى الحسن بن علي بن أبي طالب وهو، وكان مولده في رجب سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بعد أبيه وفي حياته يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ستع وثمانين ومائتين، وعمره نحواً مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الرجال جميلاً رقيق الوجه حَسَنَ الشِّعْرِ، وَافِرَ اللِّحْيَةِ عَرِيضَهَا.