للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقرها بيد ابن أخيه الظاهر غازي لأنه زوج ابنته صفية الست خاتون. وكان العادل حليما صفوحا صبورا على الأذى كثير الجهاد بنفسه ومع أخيه حضر معه مواقفه كلها أو أكثرها في مقاتلة الفرنج، وكانت له في ذلك اليد البيضاء، وكان ماسك اليد وقد أنفق في عام الغلاء بمصر أموالا كثيرة على الفقراء وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئا كثيرا جدا، ثم إنه كفن في العام الثاني من بعد عام الغلاء في الفناء مائة ألف إنسان من الغرباء والفقراء، وكان كثير الصدقة في أيام مرضه حتى كان يخلع جميع ما عليه ويتصدق به وبمركوبه، وكان كثير الاكل ممتعا بصحة وعافية مع كثرة صيامه، كان يأكل في اليوم الواحد أكلات جيدة، ثم بعد هذا يأكل عند النوم رطلا بالدمشقي من الحلوى السكرية اليابسة، وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد وكان لا يقدر على الإقامة بدمشق حتى يفرغ زمن الورد، فكان يضرب له الوطاق بمرج الصفر ثم يدخل البلد بعد ذلك. توفي عن خمس وسبعين سنة (١)، وكان له من الأولاد جماعة (٢): محمد الكامل صاحب مصر، وعيسى المعظم صاحب دمشق، وموسى الأشرف صاحب الجزيرة، وخلاط وحران وغير ذلك، والأوحد أيوب مات قبله، والفائز إبراهيم، والمظفر غازي صاحب الرها، والعزيز عثمان والأمجد حسن وهما شقيقا المعظم، والمقيت محمود، والحافظ أرسلان صاحب جعبر، والصالح إسماعيل، والقاهر إسحاق، ومجير الدين يعقوب، وقطب الدين أحمد، وخليل وكان أصغرهم، وتقي الدين عباس وكان آخرهم وفاة، بقي إلى سنة ستين وستمائة، وكان له بنات أشهرهن الست صفية خاتون زوجة الظاهر غازي صاحب حلب وأم الملك العزيز والد الناصر يوسف الذي ملك دمشق، وإليه تنسب الناصريتان إحداهما بدمشق والأخرى بالسفح وهو الذي قتله هلاكو كما سيأتي.

[صفة أخذ الفرنج دمياط]

لما اشتهر الخبر بموت العادل ووصل إلى ابنه الكامل وهو بثغر دمياط مرابط الفرنج، أضعف ذلك أعضاء المسلمين وفشلوا، ثم بلغ الكامل خبر آخر أن الأمير ابن المشطوب وكان أكبر أمير بمصر، قد أراد أن يبايع للفائز عوضا عن الكامل، فساق وحده جريدة فدخل مصر ليستدرك هذا الخطب الجسيم، فلما فقده الجيش من بينهم انحل نظامهم واعتقدوا أنه قد حدث أمر أكبر من موت العادل، فركبوا وراءه فدخلت الفرنج بأمان إلى الديار المصرية، واستحوذوا على معسكر الكامل وأثقاله، فوقع خبط عظيم جدا، وذلك تقدير العزيز العليم، فلما دخل الكامل مصر لم يقع مما ظنه شئ، وإنما هي خديعة من الفرنج، وهرب منه ابن المشطوب إلى الشام، ثم ركب


(١) زيد في ابن الأثير: وشهورا.
(٢) قال أبو الفداء في تاريخه ٣/ ١٢٠: خلف ستة عشر ولدا ذكرا غير البنات. أما ابن إياس في بدائع الزهور قال: خلف من الأولاد ثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>