للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا؟ قال: فوثبت فزعاً وقد عرقت حياء مِنْ تَوْبِيخِهَا إِيَّايَ، وَإِنَّ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهَا لَفِي سمعي وقلبي.

وقال أحمد: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِذَا هُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: زُجِرْتُ الْبَارِحَةَ فِي منامي.

قلت: ما الذي زجرك؟ قال: بينا أنا نائم في محرابي إذا وَقَفَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ تَفُوقُ الدُّنْيَا حُسْنًا، وَبِيَدِهَا وَرَقَةٌ وَهِيَ تَقُولُ: أَتَنَامُ يَا شَيْخُ؟ فَقُلْتُ: من غلبت عينه نام قالت: كَلَّا إِنَّ طَالِبَ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُ، ثُمَّ قالت: أتقرأ؟ قلت: نعم، فَأَخَذْتُ الْوَرَقَةَ مِنْ يَدِهَا فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: لَهَتْ بِكَ لَذَّةٌ عَنْ حُسْنِ عَيْشٍ * مَعَ الْخَيْرَاتِ فِي غُرَفِ الْجِنَانِ تَعِيشُ مُخَلَّدًا لَا مَوْتَ فِيهَا * وَتَنْعَمُ فِي الْجِنَانِ مَعَ الْحِسَانِ تَيَقَّظْ مِنْ مَنَامِكَ إِنَّ خَيْرًا * مِنَ النَّوْمِ التهجد في القرآن وقال أبو سليمان: أما يستحي أحدكم أَنْ يَلْبَسَ عَبَاءَةً بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَفِي قَلْبِهِ شَهْوَةٌ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ؟ وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ الزُّهْدَ وَالشَّهَوَاتُ فِي قلبه، فإذا لم يبق في قلبه شئ من الشهوات جاز له أن يظهر إلى الناس الزهد بلبس العبا فَإِنَّهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الزُّهَّادِ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِيَسْتُرَ بِهِمَا أَبْصَارَ النَّاسِ عَنْهُ وعن زهده كان أسلم لزهده من لبس العبا.

وقال: إِذَا رَأَيْتَ الصُّوفِيَّ يَتَنَوَّقُ فِي لُبْسِ الصُّوفِ فَلَيْسَ بِصُوفِيٍّ، وَخِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَصْحَابُ الْقُطْنِ، أبو بكر الصديق وأصحابه، وقال غيره: إذا رأيت ضوء الفقير في لباسه فاغسل يديك من فلاحه.

وقال أبو سليمان: الْأَخُ الَّذِي يَعِظُكَ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ كَلَامِهِ، وَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْأَخِ مِنْ أَصْحَابِي بِالْعِرَاقِ فَأَنْتَفِعُ بِرُؤْيَتِهِ شَهْرًا.

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَبْدِي إِنَّكَ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنْسَيْتُ النَّاسَ عُيُوبَكَ، وَأَنْسَيْتُ

بِقَاعَ الْأَرْضِ ذُنُوبَكَ ومحوت زلاتك من أم الكتاب ولم أناقشك الحساب يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وقال أحمد: سَأَلْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ عَنِ الصَّبْرِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي تُحِبُّ فكيف تقدر عليه فيما تكره؟ وقال أحمد تنهدت عنده يوماً فقال: إنك مسؤول عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَنْبٍ سلف فطوبى لك، وإن كانت على فوت دنيا أو شهوة فويل لك.

وقال إنما رجع من رجع من الطريق قبل وصول، وَلَوْ وَصَلُوا إِلَى اللَّهِ مَا رَجَعُوا.

وَقَالَ إِنَّمَا عَصَى اللَّهَ مَنْ عَصَاهُ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ، ولو عزوا عليه وكرموا لحجزهم عن معاصيه وحال بينهم وبينها.

وَقَالَ: جُلَسَاءُ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ جَعَلَ فيهم خصالاً الكرم والحلم والعلم والحكمة والرأفة وَالرَّحْمَةَ وَالْفَضْلَ وَالصَّفْحَ وَالْإِحْسَانَ وَالْبِرَّ وَالْعَفْوَ وَاللُّطْفَ.

وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ مِحَنِ الْمَشَايِخِ أَنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّاراني أُخْرِجَ من دمشق وقالوا: أَنَّهُ يَرَى الْمَلَائِكَةَ وَيُكَلِّمُونَهُ، فَخَرَجَ إِلَى بَعْضِ الثغور فرأى بعض أهل الشَّام في منامه أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ هَلَكُوا.

فَخَرَجُوا في طلبه وتشفعوا له وتذللوا له حتى ردوه.

وقد اختلف النَّاس في وفاته على أقوال فقيل: مات سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ، وقيل خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ومائتين فالله أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ يَوْمَ مَاتَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَقَدْ أُصِيبَ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كُلُّهِمْ.

قُلْتُ: وَقَدْ دُفِنَ فِي قَرْيَةِ دَارَيَّا في

<<  <  ج: ص:  >  >>