للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا معشر الناس أبدوا ذات أنفسكم * لا يستوي الصدق عند الله والكذب وقال الفرزدق: إن الخلافة لما أظعنت ظعنت * عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا صارت إلى أهلها منهم ووارثها * لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا السافكي دمه ظلماً ومعصيةً * أي دم لا هدوا من غيتهم سفكوا] (١) وقال راعي الإبل النميري في ذلك:

عَشيَّةَ يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ * عَلَى مُتَوَكِّلٍ أَوْفَى وَطَابَا خَلِيلُ مُحَمِّدٍ وَوَزِيرُ صِدْقٍ * وَرَابِعُ خَيْرِ من وطئ التراباً

فصل إِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ وَقَعَ قَتْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَبْلُغُ الْأَمْرُ إِلَى قَتْلِهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَكُونُوا يُحَاوِلُونَ قَتْلَهُ عَيْنًا، بَلْ طَلَبُوا مِنْهُ أَحَدَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، إِمَّا أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، أَوْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ، فَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَى النَّاسِ مَرْوَانَ، أَوْ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ هَذِهِ الضَّائِقَةِ الشَّدِيدَةِ.

وَأَمَّا الْقَتْلُ فَمَا كَانَ يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقَعُ، وَلَا أَنَّ هَؤُلَاءِ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهِ إِلَى مَا هَذَا حَدُّهُ، حَتَّى وَقَعَ مَا وَقَعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

- الثَّانِي - أَنَّ الصَّحَابَةَ مَانَعُوا دُونَهُ أَشَدَّ الْمُمَانَعَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ التَّضْيِيقُ الشَّدِيدُ، عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ أَنَّ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَيُغْمِدُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَفَعَلُوا، فَتَمَكَّنَ أُولَئِكَ مِمَّا أَرَادُوا، وَمَعَ هَذَا مَا ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاس أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْكُلِّيَّةِ - الثَّالِثُ - أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ لَمَّا اغْتَنَمُوا غَيْبَةَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَلَمْ تَقْدِمِ الْجُيُوشُ مِنَ الْآفَاقِ لِلنُّصْرَةِ، بَلْ لَمَّا اقْتَرَبَ مَجِيئُهُمْ، انْتَهَزُوا فُرْصَتَهُمْ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، وَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ - الرَّابِعُ - أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْ مُقَاتِلٍ مِنَ الْأَبْطَالِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي الثُّغُورِ وَفِي الْأَقَالِيمِ فِي كُلِّ جهة، ومع هذا كان كثير من الصحابة اعْتَزَلَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ، وَمَنْ كَانَ يحضر منهم المسجد لا يجئ إِلَّا وَمَعَهُ السَّيْفُ، يَضَعُهُ عَلَى حَبْوَتِهِ إِذَا احْتَبَى، وَالْخَوَارِجُ مُحْدِقُونَ بِدَارِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرُبَّمَا لَوْ أَرَادُوا صَرْفَهُمْ عَنِ الدَّارِ لما أمكنهم ذلك، ولكن كبار


= وفي الاستيعاب: فيها ويأوي إليها الجود والحسب.
(١) في هامش النسخة المطبوعة قال: زيادة من تاريخ البدر العيني نقلها في سياق عبارة ابن كثير.
وأورد ابن عبد البر في الاستيعاب البيتان الاول والثاني ونسبهما إلى حميد بن ثور الهلالي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>