للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يحيى بن عيسى]

ابن إدريس أبو البركات الأنباري الواعظ، قرأ القرآن وسمع الحديث وتفقه ووعظ الناس على طريقة الصالحين، وكان يبكي من أول صعوده إلى حين نزوله، وكان زاهدا عابدا ورعا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ورزق أولادا صالحين سماهم بأسماء الخلفاء الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحفظهم القرآن كلهم بنفسه، وختم خلقا كثيرا، وكان هو وزوجته يصومان الدهر، ويقومان الليل، ولا يفطران إلا بعد العشاء، وكانت له كرامات ومنامات صالحة، ولما مات قالت زوجته: اللهم لا تحيني بعده، فماتت بعده بخمسة عشر يوما، وكانت من الصالحات رحمهما الله تعالى.

[ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة]

فيها كثر فساد التركمان من أصحاب ابن برجم الايواني، فجهز إليهم الخليفة منكورس (١) المسترشدي في جيش كثيف، فالتقوا معهم فهزمهم أقبح هزيمة، وجاؤوا بالأسارى والرؤوس إلى بغداد. وفيها كانت وقعة عظيمة بين السلطان محمود وبين الغز، فكسروه ونهبوا البلاد، وأقاموا بمرو ثم طلبوه إليهم فخاف على نفسه فأرسل ولده بين يديه فأكرموه، ثم قدم السلطان عليهم فاجتمعوا عليه وعظموه. وفيها وقعت فتنة كبيرة بمرو بين فقيه الشافعية المؤيد بن الحسين، وبين نقيب العلويين بها أبي القاسم زيد بن الحسن، فقتل منهم خلق كثير، وأحرقت المدارس والمساجد والأسواق، وانهزم المؤيد الشافعي إلى بعض القلاع. وفيها ولد الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضئ بأمر الله، وفيها خرج المقتفي نحو الأنبار متصيدا وعبر الفرات وزار الحسين ومضى إلى واسط وعاد إلى بغداد، ولم يكن معه الوزير. وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني. وفيها كسر جيش مصر الفرنج بأرض عسقلان كسروهم كسرة فجيعة صحبة الملك صالح أبو الغارات، فارس الدين طلائع بن رزيك، وامتدحه الشعراء. وفيها قدم الملك نور الدين من حلب إلى دمشق وقد شفي من المرض ففرح به المسلمون، وخرج إلى قتال الفرنج، فانهزم جيشه وبقي هو في شرذمة قليلة من أصحابه في نحر العدو، فرموهم بالسهام الكثيرة، ثم خاف الفرنج أن يكون وقوفه في هذه الشرذمة القليلة خديعة لمجئ كمين إليهم، ففروا منهزمين ولله الحمد.


(١) كذا بالأصل، وفي الكامل ١١/ ٢٢٩: خطلبرس وفي رواية عند ابن الأثير ١١/ ٢٣٩: منكبرس المسترشدي.
وفي العبر لابن خلدون ٣/ ٥٢٠: خلطوا برأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>