للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَهُونُ عَلَى الدُّنْيَا الْمَلَامَةُ إِنَّهُ * حَرِيصٌ عَلَى اسْتِصْلَاحِهَا مَنْ يَلُومُهَا قَالَ الْمَأْمُونُ: وَقَدْ أَلْجَأَنِي الزِّحَامُ يَوْمًا وَأَنَا فِي الْمَوْكِبِ حَتَّى خَالَطْتُ السُّوقَةَ فَرَأَيْتُ رَجُلًا فِي دُكَّانٍ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خلْقة، فَنَظَرَ إِلَيَّ نَظَرَ مَنْ يَرْحَمُنِي أَوْ من يَتَعَجَّبُ مِنْ أَمْرِي فَقَالَ: أَرَى كُلَّ مَغْرُورٍ تمنِّيه نَفْسُهُ * إِذَا مَا مَضَى عَامٌ سَلَامَةَ قَابِلِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: سَمِعْتُ الْمَأْمُونَ يَوْمَ عِيدٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: عِبَادَ الله! عظم أمر الدارين وارتفع جزاء العالمين، وَطَالَتْ مُدَّةُ الْفَرِيقَيْنِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَلْجِدُّ لَا اللَّعِبُ، وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ لَا الْكَذِبُ، وَمَا هُوَ إِلَّا الموت والبعث والحساب والفصل والميزان والصِّراط ثمَّ العقاب أو الثواب، فَمَنْ نَجَا يَوْمَئِذٍ فَقَدْ فَازَ.

وَمَنْ هَوَى يَوْمَئِذٍ فَقَدْ خَابَ، الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي النَّارِ.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَأْمُونِ

فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا نَضْرُ؟ فقلت: بِخَيْرٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ: مَا الْإِرْجَاءُ؟ فَقُلْتُ دِينٌ يُوَافِقُ الْمُلُوكَ يُصِيبُونَ بِهِ مِنْ دنياهم وينقصون به مِنْ دِينِهِمْ.

قَالَ: صَدَقْتَ.

ثُمَّ قَالَ: يَا نَضْرُ أَتَدْرِي مَا قُلْتُ فِي صَبِيحَةِ هَذَا اليوم؟ قلت: إني لمن علم الغيب لبعيد.

فقال قلت أبياتاً وهي: أَصْبَحَ دِينِي الَّذِي أَدِينُ بِهِ * وَلَسْتُ مِنْهُ الْغَدَاةَ مُعْتَذِرَا حبَ عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبِيِّ وَلَا * أَشْتِمُ صدِّيقاً وَلَا عُمَرَا ثُمَّ ابْنُ عَفَّانَ في الجنان مع ال * أبرار ذاك القتيل مصطبرا ألا وَلَا أَشْتِمُ الزُّبَيْرَ وَلَا * طَلْحَةَ إِنْ قَالَ قَائِلٌ غَدَرَا وَعَائِشَ الْأُمُّ لَسْتُ أَشْتِمُهَا * مَنْ يَفْتَرِيهَا فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ ثَانِي مراتب الشيعة وفيه تفضيل علي على الصَّحابة.

وقد قال جماعة من السَّلف وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - يَعْنِي فِي اجْتِهَادِهِمْ ثلاثة أيَّام ثمَّ اتفقوا على عثمان وتقديمه على علي بعد مقتل عمر - وَبَعْدَ ذَلِكَ سِتَّ عَشْرَةَ مَرْتَبَةً فِي التَّشَيُّعِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ، والناموس الأعظم، وهو كتاب ينتهي به إِلَى أَكْفَرِ الْكُفْرِ.

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُوتَى بِأَحَدٍ فَضَّلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ جَلْدَ الْمُفْتَرِي.

وَتَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثم عمر.

فقد خالف المأمون الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ حَتَّى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.

وَقَدْ أَضَافَ الْمَأْمُونُ إِلَى بِدْعَتِهِ هَذِهِ الَّتِي أزرى فيها على المهاجرين والأنصار، البدعة الأخرى والطامة الكبرى وَهِيَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِانْهِمَاكِ عَلَى تَعَاطِي الْمُسْكِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَعَدَّدَ فِيهَا الْمُنْكَرُ.

وَلَكِنْ كان فيه شهامة عظيمة وقوة جسيمة فِي الْقِتَالِ وَحِصَارِ الْأَعْدَاءِ وَمُصَابَرَةِ الرُّومِ وَحَصْرِهِمْ، وقتل رجالهم وسبى نسائهم، وكان يقول: كان لعمر بن عبد العزيز وعبد الملك حجَّاب وأنا بنفسي، وكان يتحرى الْعَدْلَ وَيَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ الْحُكْمَ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>