للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمرة ونملك الكرة، ونقدم الْجَمَاعَةَ وَنُرَتِّبُ الْمُقَاتِلَةَ، وَنُدَبِّرُ التَّعْبِئَةَ، إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ فِي الشَّامِ الْآثَارُ الَّتِي لَنَا أَجْرُهَا، وَلَا يَضُرُّنَا أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِنَا ذِكْرُهَا " ثمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعُوا بِمِصْرَ مِنْ كَسْرِ الْكُفْرِ وإزالة المنكر وقمع الفرنج وهدم البدع، وما بسط من العدل ونشر مِنَ الْفَضْلِ، وَمَا أَقَامَهُ مِنَ الْخُطَبِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالْيَمَنِ وَالنُّوبَةِ وَإِفْرِيقِيَّةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بكلام بسيط حسن.

فلما وصلهم الكتاب أساؤوا الْجَوَابَ، وَقَدْ كَانُوا كَاتَبُوا صَاحِبَ الْمَوْصِلِ سَيْفَ الدِّينِ غَازِيَّ بْنَ مَوْدُودٍ أَخِي نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَخَاهُ عِزَّ الدين في عساكره، وأقبل إليهم في دساكره، وانضاف إِلَيْهِمُ الْحَلَبِيُّونَ وَقَصَدُوا حَمَاةَ فِي غَيْبَةِ النَّاصِرِ وَاشْتِغَالِهِ بِقَلْعَةِ حِمْصَ وَعِمَارَتِهَا، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبُرُهُمْ سَارَ إِلَيْهِمْ فِي قُلٍّ مِنَ الْجَيْشِ، فَانْتَهَى إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي جَحَافِلَ كَثِيرَةٍ، فَوَاقَفُوهُ وَطَمِعُوا فِيهِ لِقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ، وَهَمُّوا بِمُنَاجَزَتِهِ فَجَعَلَ يُدَارِيهِمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْمُصَالَحَةِ لَعَلَّ الْجَيْشَ يَلْحَقُونَهُ، حتَّى قَالَ لَهُمْ فِي جُمْلَةِ مَا قَالَ: أَنَا أَقْنَعُ بِدِمَشْقَ وَحَدَهَا وَأُقِيمُ بِهَا الْخُطْبَةَ لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَتْرُكُ مَا عَدَاهَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْمُصَالَحَةِ الْخَادِمُ سَعْدُ الدولة كُمُشْتِكِينَ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الرَّحْبَةَ الَّتِي هِيَ بِيَدِ ابْنِ عَمِّهِ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ، فَقَالَ لَيْسَ لِي ذَلِكَ، وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَبَوُا الصُّلْحَ وَأَقْدَمُوا عَلَى الْقِتَالِ، فَجَعَلَ جَيْشَهُ كُرْدُوسًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَ قُرُونِ حَمَاةَ (١) ، وصبر صبراً عظيماً، وجاء فِي أَثْنَاءِ الْحَالِ ابْنُ أَخِيهِ تَقِيُّ الدِّينِ عمر بن شاهنشاه ومعه أخوه فروخ شاه فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ دَسْتُهُ عَلَيْهِمْ، وَخَلَصَ رُعْبُهُ إِلَيْهِمْ، فَوَلَّوْا هُنَالِكَ هَارِبِينَ، وتولوا منهزمين، فأسر من أسر من رؤسهم، وَنَادَى أَنْ لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلَا يَذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ

ثُمَّ أَطْلَقَ مَنْ وَقَعَ فِي أَسْرِهِ وَسَارَ عَلَى الْفَوْرِ إِلَى حَلَبَ، وَقَدِ انْعَكَسَ عَلَيْهِمُ الْحَالُ وَآلَوْا إِلَى شَرِّ مَآلٍ فَبِالْأَمْسِ كَانَ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمُصَالَحَةَ وَالْمُسَالَمَةَ، وَهُمُ الْيَوْمَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُمْ وَيَرْجِعَ، على أن المعرة وكفر طاب وماردين لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ أَرَاضِي حماه وحمص، فَقَبِلَ ذَلِكَ وَكَفَّ عَنْهُمْ وَحَلَفَ عَلَى أَنْ لَا يَغْزُوَ بَعْدَهَا الْمَلِكَ الصَّالِحَ، وَأَنْ يَدْعُوَ له على سائر منار بِلَادِهِ، وَشَفَعَ فِي بَنِي الدَّايَةِ أَخُوهُ مَجْدُ الدين، على أن يخرجوا، ففعل ذلك ثم رجع مؤيداً منصوراً.

فَلَمَّا كَانَ بِحَمَاةَ وَصَلَتْ إِلَيْهِ رُسُلُ الْخَلِيفَةِ المستضئ بأمر الله بالخلع السنية والتشريفات العباسية والاعلام السود، والتو؟ يع مِنَ الدِّيوَانِ بِالسَّلْطَنَةِ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ، وَأُفِيضَتِ الخلع على أهله وأقاربه وأصحابه وأعوانه، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.

وَاسْتَنَابَ عَلَى حَمَاةَ ابْنَ خاله وصهره الأمير شهاب الدين محمود، ثُمَّ سَارَ إِلَى حِمْصَ فَأَطْلَقَهَا إِلَى ابْنِ عَمِّهِ نَاصِرِ الدِّينِ، كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلِهِ لأبيه شيركوه أسد الدين، ثم بعلبك على البقاع إلى دمشق في ذي القعدة.

وفيها ظَهَرَ رَجُلٌ مِنْ قَرْيَةِ مَشْغَرَا مِنْ مُعَامَلَةِ دِمَشْقَ وَكَانَ مَغْرِبِيًّا فَادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَأَظْهَرَ شَيْئًا من


(١) منطقة جبلية تشرف على مدينة حماه، وهي مكونة من قلتين متقابلتين (معجم البلدان: حماه) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>