يكن أحد يتجاسر أن ينقل ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية، فجزى الله العادل خيراً، ولا جزى المعظم خيراً على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الْأَمْوَالِ عَلَى الْجُنْدِ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى النَّفَقَاتِ فِي قتال الفرنج.
وهذا من جهله وقلة دينه وعدم معرفته بالأمور، فإن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء ويثبط الجند عن القتال، فيولون بسببه الأدبار، وهذا مما يدمر ويخرب الديار ويديل الدول، كما في الأثر
أَبُو الْيُمْنِ نَجَاحُ بْنُ عبد الله الحبشي السوداني نجم الدين مولى الخليفة الناصر، كان يسمى سلمان دار الخلافة، وكان لا يفارق الخليفة، فلما مات وجد عليه الخليفة وجداً كثيراً، وَكَانَ يَوْمُ جَنَازَتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا، كَانَ بَيْنَ يدي نعشه مِائَةُ بَقَرَةٍ وَأَلْفُ شَاةٍ وَأَحْمَالٌ مِنَ التَّمْرِ وَالْخُبْزِ وَالْمَاوَرْدِ، وَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ بِنَفْسِهِ تَحْتَ التَّاجِ، وَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ عَلَى الْمَشَاهِدِ، وَمِثْلِهَا عَلَى الْمُجَاوِرِينَ بِالْحَرَمَيْنِ، وَأَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ وَوَقَفَ عَنْهُ خَمْسَمِائَةِ مُجَلَّدٍ.